رأينا في المحاضرة السابقة كيف قامت الفاشية والنازية سداً منيعاً أمام تيار البلشفية الجارف. ونقول في هذه المحاضرة كلمة عن هاتين الحركتين؛ وقد كتب الشيء الكثير عنهما، ونحن لا نحاول الإحاطة بكل ما كتب، بل نتوخى الإيجاز الذي يقتضيه هذا المقام
يمكن أن نصف الفاشية بأنها رد فعل عنيف للحركة الاشتراكية التي قامت في إيطاليا عقب الحرب الكبرى، وهددت مرافق الحياة في هذه البلاد بالشلل والنضوب، حتى أصبحت إيطاليا في حالة لا تحسد عليها، وحتى كادت وحدتها الوطنية تتفكك. فقام مؤسس الفاشية، وكان اشتراكياً في مبدإ أمره، فوفق بين مبدئه الاشتراكي ونزعته الوطنية، وأسس الحكم الفاشي قائماً على فكرة الوطنية، معارضاً لفكرة الطبقات. وهكذا انتكصت الاشتراكية في إيطاليا، ورجع مبدأ الوطنية للانتصار
فالفاشية، كنظام من نظم الحكم، ليست إلا مقاومة عنيفة للبلشفية. وهي ليست مقصورة على إيطاليا، بل امتدت منها إلى غيرها من البلاد؛ فهي تسمى في إيطاليا بالفاشية أو الموسولينية، وتسمى في ألمانيا بالنازية أو الهتلرية، وتسمى في تركيا بالكمالية وهكذا. وهي، أين تسود، تقف سدناً منيعاً دون تفشي البلشفية.
ولما كانت الفاشية قد نشأت في أول أمرها وترعرعت في إيطاليا، فنحن نبدأ بالفاشية الإيطالية، لننظر كيف نشأت، ثم نستعرض المبادئ التي قامت عليها، والوسائل التي تذرعت بها في العمل، والطرق التي اتبعتها في التنظيم
نشأتها:
أما كيف نشأت الفاشية في إيطاليا، فلأجل أن نعرف ذلك يجب أن نرجع قليلاً إلى الوراء، لنستعرض إيطاليا في مبدإ الحرب الكبرى، وهي مترددة هل تدخل الحرب إلى جانب