للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سفائن الصحراء]

للدكتور أحمد زكي

هَلاَ، هلا، هيّا ... إطوي الفَلاَ طيّا

هلا، هلا، سيري ... وامضي بتيسيري

وقرّبي الحيّا ... للنازح الصبّ

طيري بنا طيري ... للماء والعشب

(شوقي)

الجمل سفينة الصحراء، إذا أنت ذكرت الصحراء ذكرته، وإذا ذكرته ذكرت الصحراء، وما وجوده في غير الصحراء إلا عبث ودعابة، يزيد حسك بهما كلما تأملت خَلقه، ودرست خُلقه، وقرنت ما تجد من ذلك بطبيعة السواد من الأرض الذي يخرج إليه الجمل أحياناً، أو بطبيعة المدن التي يضلّ إليها بحكم المصادفة الخاطئة والتوجيه الجائر؛ فكما قد ينبو في نظر الرجل العادي مرأى العمامة في متحف اللوفر، ومظهر القبعة في الأزهر، كذلك قد تضيق نفس عالم الأحياء بمنظر الخفّ على زلق المدينة، ورؤية السنام يسير بين الوفير الكثير من طعامها

في الصحراء معنى الجوع، ومعنى الحر، ومعنى المشقة والصبر، وفيها معنى الجدب والقحط والجفاف. وفي الجمل تركزت كل هذه المعاني

أول ما يصفه الحيوانيّ، يصفه بأن يضعه لك في قائمة الحيوانات، فتجده في خانة المجترات، وأميز ما تمتاز به هذه الحيوانات أن أمعدتها تنقسم إلى أربعة أقسام، أو أن شئت تتركب من أربعة أكياس

الكيس الأول وهو أكبرها ويسمى الكرش. وإليه ينزل الطعام من المريء (أ) بعد أن يكون قطّعه الحيوان بأسنانه تقطيعاً هيّناً هو دون المضغ بكثير؛ والكيس الثاني ويسمى بالقلنسوة (جـ) وبغشائه المخاطي تَثَنٍّ من خلايا ذات أضلاع عدة، وإلى هذه القلنسوة يخرج الطعام من الكرش تدرّجاً، وفيها يتكوّر إلى كرات ليست بصغيرة الحجم تندفع إلى أعلى في مريء الحيوان إلى فمه فيأخذ في مضغها حتى تصير عجينة لينة؛ وحركة اندفاع الطعام هكذا حركة طبيعية لا كحركة القيء. فإذا تم المضغ بلعه الحيوان فذهب الطعام هذه المرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>