في زحام هذه العواطف الوطنية المتأججة في وادي النيل من منبعه إلى مصبه. أكتب إليك أيها الأخ الكريم وأحاول أن أربط بين ماض مجيد وحاضر ليس أقل منه مجدا. ومما هو جدير بالتسجيل ذلك الوعي الكامل الذي يبديه شعب وادي النيل لقضيته وإيمانه بها وضبطه لأعصابه رغم ما تتفجر به نفس كل فرد من أفراده من العواطف الملتهبة. . وذلك إرضاء لحكومته وطوعا لمشيئتها.
وأحب أن أسجل أيضاً أن القوات البريطانية ما زالت مستمرة في عدوانها الوحشي على سكان منطقة القنال العزل، ففي كل يوم قتيل وشهيد وسلب ونهب واعتداء على الحريات واحتلال للأماكن والبلاد وتحكيم للقوة وعسف وظلم وجور؛ فليستمر البريطانيون في عدوانهم فإن ذلك كسب لمصر، وليعلموا أن كل دم يراق إنما يغذي شجرة الحرية في وادي النيل، وليعلموا تماما أن مقامهم في وادي النيل قد أصبح ضربا من المحال.
وقد انضمت فرنسا الفاجرة وأمريكا الآثمة إلى بريطانيا فأبدتا سياستها ووافقتا عليها فانتصرتا للاثم والعدوان، وهكذا أثبتت الدولتان ما لم يكن خافيا علينا نحن الشرقيين من أن هذه الدول لا تريد بنا خيراً، وإنما تريد علينا سيطرة واستعمار. إن هذه الأمم تدعى أنها نصيرة الحرية، ومع هذا تطعن الحرية في مصر والشرق كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً. فليعلم هؤلاء الطغاة أن نهايتهم أقرب مما يتصورون
وقد وقفت الأقطار العربية الشقيقة بجانب شقيقتهم الكبرى مصر مما هز أركان الاستعمار الإنجليزي وزلزل دعائم الاقتصاد الأمريكي
وفي يوم الثلاثاء ٢٣ من أكتوبر ١٩٥١ وقفت مصر تحيي ذكرى شهدائها الذين أراق الطغاة دماءهم في يوم الثلاثاء ١٦ منه فقامت المظاهرات الوطنية في القاهرة والإسكندرية وشتى المدن والبلاد، وأضرب الطلاب عن تلقي دروسهم وأغلق التجار متاجرهم وامتنع المحامون عن مزاولة أعمالهم في جميع المحاكم، ولم يخل شبر في أرض الوطن العزيز من صوت يتقطع في صدر صاحبه. . هو صوت الحزن على ما أريق من دماء الشهداء.