كان عندنا منذ أسبوع عمال أنفذهم صحب المنزل ليصلحوا شيئاً في الدار. وابتغاهم من الأرمن ولم يسمع نصيحتي إليه بان يستبدل بهم عمالاً من أهل البلد، وتعلل عليَّ بان هؤلاء أجود عملاً، وأقل كلفة. ولقد وجدتهم والله كما قال: عملوا في اليوم ما لا يعمله غيرهم في الثلاثة، فكنت أرقبهم وأدرس طبائعهم فما أنكرت منهم شيئاً حتى أظهر الظهر وزال النهار، فقطعوا العمل، وقعدوا يأكلون ويستريحون، فلم يجدوا العنب، والعنب الأحمر في الشام قوام حياة العامل لقلة ثمنه، وكثرة فائدته، وإن من يأكله إنما يأكل الصحة والقوة ثمراً شهياً، فبعثوا أحدهم، بقروش ليشتري لهم رطلاً، ولبثوا ينتظرون. . . فمضى ربع ساعة وربع آخر، وربع ثالث، ولم يحضر، ثم جاء يلهث من التعب، فلم أتمالك أن صحت به:
- أين كنت يا هذا؟ أرحلت في طلب العنب، والعنب ملء الأسواق؟
- قال: لقد اشتريته من (البرامكة)
- قلت: من البرامكة؟ على مسافة كيلين اثنين؟ ولم هذا العناء؟. . .
- قال: لم أجد بائعاً أرمنياً إلا هناك!!. . .
٧ - أبوه!
أخبرني صديق لي من جلة العلماء، قال:
كنت أتولى المدرسة الخيضرية، وهي من المدارس القديمة في دمشق، فجاءني ذات يوم شيخ هرم عليه ثياب أخلاق، وعمة بالية، فأقبل على استحياء يسألني عملا في المدرسة وظيفته خمسة أرغفة في اليوم. فأعطيته الذي يريد، ولم أسأله عن نفسه حتى مرت أيام، فخبرني أن له ابناً، ولكن ابنه يعرض عنه وينكره، فعجبت من ذلك وقلت له: من هو ابنك؟