لقد كان من عادة الأطباء الهولنديين الذين قاموا بخدمات خارج بلادهم في المستعمرات الأسيوية الشرقية ألا يركنوا إلى الدعة والاستقرار إذا ما اطمأنوا إلى العيش - كيلا تبلد فيهم حاسة التفكير أو تصدأ روح الاستطلاع - بل كانوا في أوقات فراغهم يعملون ما يعود عليهم بالتسلية والنفع - فحوالي عام ١٨٩٠ وُكل إلى الطبيب الهولندي كريستيان إيكمان إدارة مستشفى حكومي في جاوه وكان مولعاً باقتناء الطيور المنزلية ويعيرها بعض عنايته ويخص منها الدجاج والحمام. ولم يطل به الانتظار حتى تسنّى له مشاهدة بعض الملاحظات. إذ رأى أثناء نظره إلى طيوره نظرة الفاحص وهي تمرح في الحديقة - بعضها تغدو ثقيلة الحركة بطيئة الخطى وبعضها الآخر قد فقد توازنه. ولكن لم تدم هذه الحال طويلاً فقد أصابها تصلب في عضلات الرقبة لاقت بعده حتفها.
بهذه المشاهدات الأولية وُضع الحجر الأساسي لدراسة مرض البري بري في الهند الهولندية، وهو المرض ذو الأثر السيئ في حياة الشرق الأقصى والذي لم يكتف بخطف ضحاياه من الكبار بل كان يهدد الصغار في مطلع حياتهم بشكل مخيف ويحمل هذا المرض اسمه من شكل الحركة المتصلبة في مشية الخروف والتي تبدو على المصابين، وتدل كلمة (بري بري) في اللغة الهندوستانية على الخروف، وهنا نرى نجاح الدكتور ايكمان في اختيار هذا اللفظ للدلالة على هذا المرض نظراً للتشابه التام العجيب بين أعراض هذا المرض في الإنسان وفي مشية الخروف.
سرى مفعول هذا المرض خاضعاً مماثلاً للوصف الذي أشار إليه ايكمان بناء على ملاحظاته على دجاجة، وحمامة ولم يقتصر هذا المرض الذي ذهب ضحيته قديماً مئات الآلاف على موطنه الأصلي في آسيا الشرقية بل تعداه إلى جنوب أمريكا وأفريقية وأزهق