كتب كاتب في مجلة أسبوعية أن (السيدة نفيسة) التي ينسب إليها القبر المعروف في مصر ليست إلا الست نفيسة زوجة مراد بك آخر المماليك، وجاء في مقالته استطراد إلى ذكر الثورات المصرية قر فيه أنها قامت كلها باسم الدين، وأثار ذلك طائفة من القراء فكتبوا إليه محتجين مصححين، وهاج كاتباً من الكتاب فرد عليه، مبيناً أن القبر للسيدة نفيسة النسيبة الشريفة الثابت نسبها إلى سيدنا علي، منكراً أن تكون ثورة مصر قامت باسم الدين. . . الخ.
ولست معقباً على هذا من جهة التاريخ، لأن من الواجب أن لا نخلط بين امرأتين بينهما ألف سنة. . . وأن نحقق القول في المساجد والقبور وسائر الآثار، وان نمحص أسباب الثورات ونعرف حقيقة الدوافع إليها، ولكني معقب عليها من جهة الدين.
والدين - كما افهمه - لا يبالي أكانت صاحبة القبر السيدة نفيسة العلوية، أم الست نفيسة المرادية، ولا ينفعها عند الله أن تكون الأولى أن كانت سيئة العمل، ولا يضرها أن تكون الثانية أن كانت صالحة السيرة، لأن ميزان الله غير موازين البشر، والله لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأنساب، وإنما ينظر إلى القلوب والى الأعمال، فبالأعمال بعد الأيمان، تتفاوت أقدار الناس في الآخرة، ولو كان للنسب ثقل في ميزان الله ما رجح سلمان (الفارسي) وصهيب (الرومي) وبلال (الحبشي) وخف أبو لهب بن عبد المطلب العربي القرشي الهاشمي عم النبي!
والناس لا ينفعهم في أخراهم أن يكون هذا القبر، لهذه أو لتلك، أو لأي إنسان ممن خلق الله، أو يكون قبراً خالياً ليس فيه أحد، لأن الإسلام يأبى عبادة الأموات، وينكر تعظيمهم، ويسد الذرائع إليها، ولذلك منع رفع القبور وزخرفتها والمغالاة فيها، فضلاً عن اعتقاد النفع والضرر بها وبأصحابها.
ودين الإسلام أساسه التوحيد، ومنه أن تعتقد أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، لا أعني ما يدخل في الأسباب المعروفة والعلل الظاهرة، إذ لا ينكر نفعها ولا ضررها، فالطعام نافع والسم ضار، والطبيب نافع والجاهل ضار. . . والناس كلهم والأشياء جميعها منها ما يضر ومنها