ما ينفع، في حدود سنن الله في هذا الكون، وطبيعته التي طبع الوجود عليها، ولكن أعني ما رواء هذه الأسباب والعلل، إذ رب مرض يستشير أكابر الأطباء، ويجلب أندر العقاقير، ويحظى بكامل العناية، ثم يموت، وآخر أصابه مثل مرضه فبرئ بأيسر العلاج، وأقل الجهد، فالطبيب دال، ولكن الله الموصل، والرسول هاد مرشد، ولكن الله هو الهادي الموفق لا تباع الرشاد، وفي الوجود شئ يدخل في طاقة الإنسان، وأشياء لا تدخل في طاقته، فإذا فعل كل ما يقدر عليه، ولم يبقى عليه إلا الالتجاء لقوة خفية قادرة على ما تقدر عليه قوته، فعليه بالالتجاء إلى الله وحده، واعتقاد أن هو الذي يضر وينفع، فإن التجأ إلى غيره، إلى نبي أو ولي، حي أو ميت، يؤمن به يستطيع أن يعينه هذه المعونة الغيبية، فهذا هو الشرك الذي جاء الإسلام لإبطاله!
أما ما يعتقده العامة من أن هؤلاء الصالحين مقربون إلى الله أكثر منا، فهم يتخذونهم وسائل، فلا بأس بذلك ما دامت بعيدة عن المعونة الغيبية، داخلة في نطاق الأسباب والعلل، كالتوسل بدعاء الصاحين. وقد توسل عمر يوم الاستسقاء بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوسل بالنبي نفسه، مع أنه أفضل من العباس ومن سائر البشر.
ومهما قيل في مسألة التوسل التي طال فيها الخلاف وكثر الجدال، ولم يبق فيها جديد يقال، فليس في القائلين بالتوسل، ولا في المانعين له، ولا في المتوقفين فيه، من يقر ما يرى في مصر عند قبر سيدنا الحسين، أو قبر السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الشافعي، وعند كل قبر قائم في مصر، عليه قبة، وله مزار.
إن الذي يصنع عند هذه القبور يجاوز الحد الذي جوزه القائلون بالتوسل من العلماء، ويطغي حتى ليوشك أن يجاوز. . (لقد كدت أقول) الإسلام!
وأن من أوجب الواجبات على العلماء منعه وإزالته، حتى لا يظن بعض الشباب أن هذا هو الدين، فيؤثروا الإلحاد على هذا (الدين. . .) الخرافي! وهذا الذي صار!!
أما الكلام في الثورة والدين، وفرح الكاتب الثاني بضبطه رفيقه متلبساً بجريمة القول فيه، وفزع الكاتب الأول من نسبة هذا القول إليه، فهو دليل واحد من آلاف الدلائل على ما أنهت إليه صورة الدين في نفوس بعض المتعلمين. فقد استقر فيها أن الدين شيء عتيق لا يليق بالمتعلم أن يتمسك به، أو يتكلم باسمه إلا إذا لاق به أن يدع السيارة والطيارة ويركب