للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شاعر المعلمين]

للأستاذ من أن يسهم في الدعوة إلى العلم ميلا)، فلا مناص من مجابهة

الواقع المرير، محمد محمود زيتون

حقيقة أجمع عليها كل من تعرض لأمير الشعراء بنقد، سواء كان له أو عليه، تلك هي أنه كان من (شعراء القمة) الذين سمت نفوسهم إلى المثل العليا، يقبسون منها لأوطانهم ما تستضيء به في حالك الأيام، ومد لهم الخطوب، فيطرحون عنها الألم الباهظ؛ ويبعثون فيها الأمل الجميل.

بلغ شوقي من الثقافة والرهافة ما بلغ، فحز في نفسه أن يرى الجهل فاشياً في أمته، فلا أقل بهذه الصرخة المدوية: لأن (الجهل لا تحيا عليه جماعة) ولأننا نخطو في العلم إصبعا (إن مشت الممالك

تلك الكفور وحشوها أمية ... من عهد خوفو لم تر القنديلا

وعار على أمة آباؤها وأجدادها بناة المسلة والأهرام، وأبناؤها متخلفون عن الإنشاء والإبداع و (لا يحسنون لإبرة تشكيلا)، فيكون حالهم في الحياة أقرب إلى الحيوانية منه إلى الإنسانية، وأصحاب المصالح والأغراض يستخدمونهم كالأنعام، ويستغلون جهلهم كأنهم آلات جامدة.

وشوقي - إذ تستوقفه هذه المشكلة - يلتمس لها أقرب الحلول حسبما يمليه منطق الفيلسوف المجرب، ووفق ما تفرضه طبائع الأشياء. فيتجه من اقرب طريق إلى المعلم الذي يكاد في نظره أن يكون رسولا، ولم لا وهو (الذي يبني وينشيء انفساد عقولا) وحسبه شرفاً أن الله تعالى خير معلم وأنه سبحانه أخرج العقل من الظلمات وهداه إلى النور، وطبعه بيد المعلم (تارة صدئ الحديد وتارة مصقولا)، وأرسل الأنبياء الكرام مرشدين إلى الخير.

فما بال الشرق حيل بينه وبين شموس المعرفة ومشاعل الهداية؟ لقد (فقد المعلم نفسه) واصبح الذين يحمون حقيقة علمهم معذبين في الأرض، وعلى رأسهم فيلسوف اليونان الأول سقراط:

سقراط أعطى الكأس وهي منية ... شفتي محب يشتهي التقبيلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>