عصرنا الحاضر عصر مضطرب ثائر، لا نكاد نجد له مثيلاً في التاريخ الغابر، فنحن نواجه اليوم حالة لم تعرفها الأجيال الماضية لأننا نحيا ففي عالم جديد يعج بالمشاكل المعقدة والمسائل الصعبة. وهذه الحالة التي تفرضها علينا مقتضيات هذا العصر، هي وليدة التطور الذي لحق الحضارة الإنسانية الحديثة. فليس من شك في أن علينا أن نكيف أنفسنا مع العالم المتغير الذي نحيا فيه، على ضوء المعارف التي نحصلها من الحركة العلمية المستمرة. والمعرفة هي - وحدها - التي استطاعت أن تغير معالم الكون، فلا بد لنا إذن أن نعتمد على المعرفة، حتى نستطيع أن نحقق التوافق بيننا وبين البيئة الجديدة التي نعيش فيها.
غير أن الخوف قد يقف حائلاً دون مواجهة الموقف الحاضر في صراحة وقوة؛ فإننا نخشى أن تقتادنا النظرة الجديدة للكون إلى الخروج عن معتقداتنا المألوفة وأفكارنا السابقة، ولكن هذا الخوف نفسه دليل قوي على أننا نشك في صحة تلك الأفكار والمعتقدات، ومن ثم فإننا نخشى أن نفحصها على ضوء الحقائق الجديدة والمعارف الحديثة. وإذن فالخوف ليس إلا مظهراً للشك والجهالة، وبالتالي فإن من واجبنا أن نطرحه جانباً إذا أردنا أن نكون مخلصين لروح العصر.
لقد أصبحت الشجاعة أول ضرورة من ضرورات هذا العصر فإن قيام العالم الجديد رهن بما أوتينا من شجاعة وقوة وإقدام. وليس من واجب الفكر أن يرتد فزعاً أمام تلك التيارات الرجعية التي قد تثور في وجهه، بل أن عليه يجهز بكلتا يديه على تلك الجيف الحية، لكي يقذف بها في زوايا التاريخ!
وإنها لمسئولية خطيرة تلك التي تقع على عاتقنا اليوم؛ فقد مضى على ذلك العصر الذي كنا فيه نعتمد على القوى المجهولة والمصادر الخفية في استقاء معارفنا ومعلوماتنا. وليس علينا الآن إلا أن نعتمد على نفوسنا ونفكر لذواتنا، في كل المسائل التي تواجهنا؛ وما أكثر هذه المسائل!
إن أسلافنا كانوا يتوهمون أنهم قد عرفوا كل شيء منذ الولادة حتى ما بعد الموت؛ أما نحن