كتب إلى الأستاذ عبد القادر الكرماني بحلب خطابا ينبئني فيه (أنه يضع كتابا عن الأمثال العالمية بلغة الضاد، وينقل إلى لغتنا العزيزة ما وصلت إليه يده من أمثال الأمم الأخرى على اختلاف أجناسها وأصقاعها، وقد ارهف نفسه للسؤال عن ناحية هامة في المثل وهي: هل وضع الأمثال مقصور على الأسلاف فقط؟ وهل لنا معشر الخلف أن نضع أمثالا أسوة بمن سبقونا؟ وإذا جاز وضع الأمثال لنا وضربها في مختلف شؤون الحياة فما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيما نود أن نتخذه مثلا؟ وإذا كان وضع المثل محصورا فيما تقدمونا فلم هذا الحصر وما هو الباعث له؟ وهل اتفقت الأمم جمعاء على السير في منهاج واحد؟ أم أن اختلافا بين الشعوب الأرض؟. . .)
وأقول: إن مكان هذا الكتاب الذي يشتغل به الأستاذ الكرماني لا يزال ناقصا في اللغة العربية؛ لأنها اللغو الوحيدة فيما نعلم بين لغات الحضارة التي خلت من كتاب جامع لأمثال الأمم أو للأمثال العالمية على حسب موضوعاتها أو على حسب أقوامها، وهو الموضوع الذي جمعت فيه باللغات الأوربية أسفار ضخام تجمع تلك الأمثال بترتيب أغراضها تارة وبترتيب أقوامها تارة أخرى
واحسب أن اللغة العربية أحوج إلى هذه المجموعة من اللغات الأوربية، لأن العرب (سلفيون) يكثرون الرجوع إلى الأمثال، ولأن الناقلين الأوربيين يخطئون فيما ينقلونه من أمثالهم وينسبونه إلى الأمم الشرقية الأخرى لاشتراك هذه الأمم جميعا في الدين وفي أحكام آدابه التي تضرب بها الأمثال. ويبلغ من خطئهم في هذا أننا رأينا آيات قرآنية وأحاديث نبوية منسوبة إلى الغرب أو إلى الهند لأنها وردت في أقوال الحكماء والمتصوفة من أبناء الأمم الهندية أو الفارسية، فإذا اهتم أديب عربي بجمع الأمثال العالمية فهو أحق الناس بتصحيح هذه الأخطاء وتمييز الأمثال الشرقية على حسب الأجناس واللغات. ولا شبهة في لزوم هذا التمييز، لأن الخلط بين أمثال العرب والفرس والهند مخالف للواقع من جهة، ومضلل للباحث في مقابلات الأمثال من جهة أخرى؛ إذ لا يخفى أن مسالة الأمثال مسألة (اثنولوجية) لها دلالتها على أطوار الأمم وعاداتها وبواعث تفكيرها ووسائل تعبيرها. فلا