يشعر الفارسي بالحقيقة الواحدة كما يشعر بها العربي في البادية أو الحاضرة، ولا تقع المقارنة بين الحقيقة كما يعبر عنها المثل العربي والحقيقة كما يعبر عنها المثل الفارسي إلا ظهرت من هذه المقارنة خصائص الأمتين وعادات كلتيهما في المعيشة وأسلوبهما في الملاحظة والتعبير، وقد يكون للمثلين شاهد واحد أو موضع استشهاد واحد، وكن الاختلاف بين الشاهدين هو الذي يدلنا على اختلاف الخصائص والعادات ويفيدنا تلك الفائدة الاثنولوجية التي يبحث عنها علماء الأجناس والسلالات
فكتاب الأستاذ الكرماني منتظر ومطلوب مفيد، ونرجو له التوفيق في إتمامه على الوجه المنتظر المطلوب الذي تتحقق به فائدة اللغة العربية وفائدة المعرفة الإنسانية على التعميم.
أما سؤال الأستاذ عن حق الخلف في ووضع الأمثال، فهو كحق السلف في اعتقادنا بلا اختلاف، لأن أبناء جيل الحاضر سلف بالنسبة للأجيال التي تعقبهم وتقتبس من حكمتهم وتجربتهم وتروي ما بقي من آثارهم وأخبارهم، فإذا تلقى الأعقاب عنهم كلمات صالحة للرواية والاستشهاد، ودارت هذه الكلمات دورتها على الألسنة كما دارت من قبلها كلمات آبائنا وأجدادنا، فتلك هي الأمثال يضربها أبناء جيل لأبناء جيل الأجيال، وذلك هو الحق الوحيد الذي يستند إليه واضع الأمثال.
ولكنني احسب الأستاذ يسأل عن الأمثال التي يضعها أبناء الجيل الحاضر لأبناء الجيل الحاضر، ويرى لها موقعا مختلفا من موقع الأمثال الموروثة عن الأجيال الغابرة، وله الحق فيما يراه.
فالأمثال (سلفية) في طبيعتها ودلالتها، وقيمة هذه الدلالة آتية من اعتقاد الناس أنها دالة على إجماع التجارب واتفاق العبر بين الغابرين والحاضرين. فإذا حدثت حادة اليوم وسمعنا مثلا يلخص لنا الحكم على حادثة مثلها وقعت قبل مئات السنين ونظر الناس اليها يومئذ كما ننظر إليها اليوم، فهذه هي عبرة الأمثال، وهذه هي دلالتها من يروونها ويستشهدون بها في مواقعها، وهذه هي قوة الإقناع التي تستفاد من تجارب السلف ويتخذها الخلف رائدا له في حوادث الحياة.
لهذا ترجح أمثال الجيل الغابر على أمثال الجيل الحاضر، فهي حجة القدم واتفاق التجربة دون غيرها، وهي حجة لا تتاح لأقوال المعاصرين في زمانهم إلا إذا طال بها العهد حتى