للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ثقافة فلكية]

عمر أمنا الأرض

للأستاذ خليل السالم

يجد الباحث البصير أن تاريخ أي علم من العلوم مملوء باللمعات الفنية والخطرات الثاقبة والإشراقات الذهنية والفكر الدقيقة التي تشبه الوحي ينزل من الملأ الأعلى على العالم أو المخترع أو المكتشف. وإن الباحث ليقف إزاء لحظات التجلي التي تمر بالعالم وقفة كلها دهشة وروعة وإعجاب ندر أن تتسنى له وهو يتفرس في محاسن التمثال الخالد، أو يستشف مواطن الإبداع في القصيدة الرائعة، أو يغيب وعيه في الاستماع إلى قطعة موسيقية ساحرة

أنا لا أقول هذا اعتباطاً؛ وإنما أقوله عن اعتقاد جازم مكنه في نفسي شعور من يوثق بأقوالهم وشعوري أنا الداخلي الصادق. تأخذ الاكتشافات العلمية بعضها برقاب بعض؛ فاكتشاف حقيقة بعينها يقود بقليل من التدبر والوعي إلى اكتشاف أو وضوح حقيقة أخرى لا تمت إلى الأولى بصلة سوى أن اكتشاف الأولى سبب في اكتشاف الثانية. فالروعة إذا كامنة في نقطة الاتصال أو في الطريقة التي تم بها اكتشاف تلك النقطة. وليسمح لي القارئ أن أدرس معه في هذا الفصل القصير مشكلة عمر الأرض. فلا شك أنه رأى - أو سيرى - الأرقام الكبيرة التي يزعم العلماء أنها عمر هذه الحسناء التي تنعم كل عام بالربيع الطلق والحيوية النابضة مختلف أعضائها، والتي لا تبدي من شيبها دليلاً على صدق أقوال العلماء. ولعل حيرة القارئ تزول بعض الشيء إذا عرف الطرق العبقرية التي تم بها انتزاع هذا العمر الطويل من فم الحسناء نفسها، ولعله يفهم أيضاً معنى تلك الإشراقات الذهنية التي أشرت إليها أولاً

سأل الناس منذ القدم عن عمر الإنسان على الأرض أو عمر الأرض في الكون، فلم يجدوا جواباً شافياً. واحتال العلماء على الأرض لعلها تعترف بعمرها، ولكنها - كالعادة في بنات جنسها - أبت إلا كتماناً وإصراراً على الكتمان حتى قيض الله لهالي (عالم فلكي إنجليزي) في لحظة من لحظات الإلهام أن يستنطق المحيطات فتجيبه عن عمر الأرض. من كان يظن - قبل أن يقول هالي - أن ملوحة ماء البحر تكشف سر الأرض؟ وهل يرى القارئ

<<  <  ج:
ص:  >  >>