للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من تراثنا الأدبي]

٤ - أبو العَيْناء

للأستاذ محمود محمود خليل

تتمة

قلت أن أبا العيناء اتسع أمامه الميدان أيام المتوكل، وظهر نجمه، وسعدت أيامه، فلم يقتصر الأمر على اتصاله بالخليفة، بل اتصل بوزيره الفتح وأخيه عبيد الله ابني يحيى بن خاقان واستفاد من عطاياهم وسخائهم مالاً كثيراً؛ ولقد مدح عبيد الله لدى المتوكل حينما سأله عنه فقال: (نعم العبد لله ولك، مقسَّم بين طاعته وخدمتك، يؤثر رضاك على كل فائدة، وما عادَلَ بصلاح ملكك كل لذة). وله كتاب طويل كتبه إلى عبيد الله يستوهبه دابة يركب عليها حينما وهب له ابنه محمداً دابة، فزعم أنها غير فاره. وهذا الكتاب تستطيع أن تجده في كتب الأدب، وهو يدل على التلطف في المسألة، والاحتيال على هؤلاء الرؤساء بتلك الأحاديث الحلوة الفكهة، مما حبب أبا العيناء إليهم، وجعلهم يغضون عن بذاءته ويلبسونه على علاته.

انقضت دولة المتوكل ووزيريه الفتح وأخيه عبيد الله، واضطربت الأمور من بعده، حتى استتب الأمن، ورجعت المياه إلى مجراها، وتولى الوزارة عبيد الله بن سليمان بن وهب في خلافة (المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي) فاتصل به أبو العيناء وحضر مجالسه؛ وطالما حدثنا الرواة عن كثير من حوادثه معه. دخل عليه ذات يوم فقال: أقرب مني يا أبا عبد الله. فقال أعز الله الوزير! تقريب الأولياء، وحرمان الأعداء. قال: تقريبك غنم وحرمانك ظلم، وأنا ناظر في أمرك نظراً يصلح من شأنك إن شاء الله. وقال له يوماً: اعذرني فإني مشغول. فقال: إذا فرغت من شغلك لم نحتج إليك، وأنشده:

فلا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل

ثم قال يا سيدي قد عذرتك، فإنه لا يصلح لشكرك من لا يصلح لعذرك. ودخل عليه يوماً فقال من أين يا أبا عبد الله؟ قال من مطارح الجفاء. وأقبل يوماً إليه، فشكا سوء حاله، فقال له أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبر في أمرك؟ فقال: كتبت إلى رجل قد قصَّر من همته

<<  <  ج:
ص:  >  >>