كانت عربة القطار غاصة بالركاب منذ (كان)، والأحاديث تدور على ألسنتهم، بعد أن تعارفوا أو تآلفوا. وحين مر القطار (تاراسكون) قال أحدهم.
- في هذا المكان تجري حوادث القتل. وهنا طفق الركب يتكلمون عن سفاك مجهول، أعجز الأمن وأخذ عامين يعيث فتكاً بأرواح المسافرين فكل أخذ يبدي عنه افتراضاً ويدلي برأيه، أما النساء فكن ينظرن برعب إلى الليل البهيم من خلال زجاج العربة، وقد خفن أن يبصرن فجأة رأس ذلك السفاح، يطالعهن من باب غرفة القطار.
ثم أفاض المسافرون في سرد قصص مرعبة ومصادفات مفزعة ومجابهات مع المجانين في عربات القطار.
كل حاضر كان يعلم حادثة من هذا النوع يسردها على شرف جرأته. وما منهم على زعمه، إلا سبق له أن خوف لصاً أو صرع مجرماً أو جندل أثيماً: في ظروف غريبة وبديهة حاضرة وشجاعة فائقة. وأراد طبيب أعتاد كل شتاء عبور جنوب فرنسا أن يدلي بدلوه بين الدلاء فقال:
- أما أنا فلم يسعدني الحظ باختبار شجاعتي في ظروف كهذه، بيد أني أعرف امرأة من زبائني المرضى (وتوفيت الآن) حدث لها أغرب حادثة يمكن أن تحدث في هذا العالم.
لقد كانت روسية، واسمها ماري بارانواي، وهي من كرائم العقائل، ذات جمال ساحر وحسن رائع. وأنتم تعلمون كم هن جميلات الروسيات، أو على الأقل كم يظهرن لنا حساناً فاتنات بآنافهن الدقيقة، وثغورهن الصغيرة، وعيونهن الزرقاء السنجابية
وإن فيهن مزيجاً غريباً من الوقاحة المغرية، والكبرياء الحلوة والقسوة العطوف، التي تجذب القلب الفرنسي وتأسره. وفي الحق قد يكون اختلاف الجنس هو الذي يريني فيهن هذا النوع من الجمال.