اسم هذا الظريف زَند بن الجون، و (أكثر الناس - كما قال صاحب الأغاني - بصحف اسمه فيقول: (زيد) بالياء، وذلك خطأ. . . إنما هو زند بالنون). وإنما سلكناه في عداد الظرفاء العباسيين - مع أنه أدرك شبابه آخر عهود بني أمية - لأنه لم يكن له في أيامهم نباهة، ولم يذع له في عصور خلفائهم صيت، فما نبغ واشتهر إلا في أيام بني العباس، إذ انقطع إلى أبي العباس السفاح وأبي جعفرالمنصوروالمهدي، فكانوا يقدمونه في المجامع، ويصلونه أحسن الصلات، ويستطيبون مجالسته، ويستعذبون نوادره.
وإذا كانت المراجع التي بين أيدينا لم تلق ضوءاً كافياً على مولد هذا الظريف، ففي وسعنا أن نستنبط ذلك من خلال السطور، فهو لم ينسب إلى الكوفة إلا لمولده فيها أو نشأته بها على الأقل. وهو - بلا ريب - لم يدرك آخر أيام بني أمية طفلاً لا يعي شيئاً لأننا سنرى في نوادره وطرائفه ما يشير إلى أنه بلغ سن الشيخوخة بعد أن عاش في ظلال الدولة العباسية وحدها تسعة وعشرين عاماً: إذ حضر خلافة السفاح التي دامت أربع سنوات وتسعة أشهر ثم خلافة المنصور التي دامت اثنتين وعشرين سنة هلالية إلا ستة أيام، ثم شهد من خلافة المهدي ما يقارب ثلاث سنوات توفي على أثرها إحدى وستين ومائة.
ولكي نقبل أنه بلغ سن الشيخوخة يحسن بنا أن نفترض أن أبا دلامة ولد بين سنة مائة - ومائة وخمسة، فقضى طفولته وصباه وشبابه حتى بلغ الثلاثين - أو الخامس والعشرين - في أواخر العصر الأموي ثم أمضى ما تبقى من عمره في أيام السفاح والمنصور والمهدي. ولم يوصف أبو دلامة بأكثر من أنه كان أسود، بيد أنه أضطر - هو نفسه - في مجلس حافل إلى وصف خلقه بشعر يجعلنا موقنين بأنه كان على جانب من الدمامة عظيم: دخل على المهدي يوماً وعنده إسماعيل بن محمد وعيسى بن موسى والعباس بن محمد ومحمد