ليست فكرة إصلاح هذا المعهد العظيم حديثة النشأة؛ وليست كل محاولة لإصلاحه كانت ناجحة؛ وليس كل من قام بأمر الإصلاح كان فيه موفقاً. ولا أريد هنا أن أسرد الأدوار التي مر بها الإصلاح، وعدد الخطوات التي أخفق فيها المسعى، والأخرى التي كان له فيها بعض النجاح؛ إذ كل باحث في أمره يوقن أن الخطوة الأولى التي كانت موفقة فيه هي التي خطاها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وأنه هو الذي يعتبر أول مصلح كانت له فكرة، وبجانبها شخصية ذات إرادة مستقلة، وبسببه حافظ الأزهر على حياته، وإن كانت حياة الهرم الذي تعوزه زيارة الطبيب الحاذق من وقت إلى أخر. وبالرغم من وهن هذه الحياة كان ما قام به الأمام هو دور المصلح وداعية البطولة في زمنه
استمر الأزهر بعد ذلك في حياته التي يحس فيها بضعف، تارة يشتد إذا لم يجد في طبيبه صفة المهارة - وكثيراً ما كان ذلك - وطوراً يخف إذا واتاه القدر بمن يواسيه أكثر ممن يطببه. تغيرت فيه عدة مناهج واستبدلت نظم بأخرى باسم الإصلاح؛ ومع ذلك لم يتم إصلاح أو لم يتكون أساسه، لأن الإصلاح الذي يجب أن يكون، وبعبارة أخرى الذي يحمل عليه قانون الوجود الحالي المبني على تنازع البقاء وحياة الأصلح ليس علاجاً مؤقتاً وإنما هو إيجاد حياة من نوع أخر، حياة فتوة لها قوة ممانعة ومقاومة وقوة كفاح وهجوم. ظل أمره كذلك حتى هيأ القدر له، وشاء أن يكون تلميذ الإمام، رجلا من أولئك الذين لهم عقول مستقلة بعيدة المدى في التفكير، ولها قوة إرادة في التنفيذ في صمت ورزانة. فأول خطوة ضرورية رآها للإصلاح أنه عمل على إشعار الأمة بالأزهر واتصال الأزهر بالأمة، فحياته إذن يجب أن تكون من نوع حياة الأمة، ومصر أمة ناشئة فتية
أيدت هذا العمل عقلية أخرى من هذا الطراز - وعقول الإصلاح دائماً متفقة متجانسة - ولكنها أشعرت الأمة هذه المرة بصورة أخرى هي أن لا غنى للأمة المصرية ولا للعالم الإسلامي عن الأزهر. ولكن كيف يؤدي رسالته الوطنية والعالمية في القرن العشرين؟
تنبهت الأذهان وعني الكتاب والباحثون في الشئون الاجتماعية والعلمية بهذا الموضوع