كان (صلاح) يستخفه الزهو أحياناً وهو يقطع الطريق من المدرسة إلى بيته، فيقفز في مرح طافر، أو يضرب بقدمه حجراً صغيراً في الطريق، أو يصفر بصوته اللين الغض لحن أغنية سمعها من (الراديو). . .
والواقع أن (صلاح) لم يشعر بالزهو مثلما شعر به اليوم. . لقد كان يتحرق شوقاً إلى مغادرة المدرسة منذ إنتهاء الحصة الأولى، أو بعبارة أدق منذ سجل الأستاذ في كراسته بقلمه الأحمر تلك العبارة الخالدة (حسن جداً). . . ولكنه لم يتمكن من الخروج. . ذلك أن عمي (متولي) البواب لا يسمح لأي تلميذ بالخروج قبل إنتهاء الحصة الأخيرة. . ولأن جسمه الغض اللين لا يساعده على تسلق سور المدرسة المرتفع. . . فكان عليه أن ينتظر ساعات وساعات حتى يدق الجرس الأخير. ولكن. . . ولكن جلبة تسمع في فناء المدرسة، وهتافات تخترق النوافذ المقفلة وتصل إلى إذنيه: يسقط الإستعمار الغاشم! يسقط الإنجليز الخونة. . . فيعرف بحكم العادة أنها مظاهرة. وبحكم العادة أيضاً يقفز فوق القماطر نحو باب الفصل الذي ضاق إذ ذاك بالتلاميذ المتزاحمين حياله. . . ثم يمضي في الفناء تجاه باب المدرسة المفتوح، ثم يلقي نظرة كلها تشف وشماتة إلى عمي (متولي) الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً أيام المظاهرات. . ثم يخرج إلى الشارع لا يلوي على شيء. . وما له هو وهؤلاء الطلبة المتجمهرون إزاء النصب التذكاري بالمدرسة؟ إته لا يكاد يفهم الكثير مما يقوله الطلبة الكبار وهم يخطبون، فهو لا يزال في الثانية الأبتدائية. . ثم ماذا يهمه من اإنجليز ما داموا لا يأخذون منه شيئاً ولا يحولون بينه وبين رغبة من رغباته، ولا بين أمنية من أمانيه؟
هو لا يفهم لماذا لا يفهم الطلبة بسقوطهم ما داموا لا يتعرضون لنا بالأذى؟ إنه يراهم يقطعون طرقات المدينة أحياناً في عرباتهم لا يكادون يتعرضون لأحد! ومهما يكن من شيء فهذا كله لا يهمه من قريب أو بعيد، حسبه أنه ألآن في الطريق إلى بيته. . وأنه ذاهب إلى أبيه. . وأنه سيقف أمامه مزهواً ويعرض عليه كراسته مشيرا ً في إعتزاز إلى تلك العبارة الحمراء التي تدفع به إلى صفوف التلاميذ النجباء. . وإذ ذاك يجد أن من حقه