سندرس موضوع البغاء في الصحائف التالية على أساس التجارب العلمية في الأمم الأوربية. وسينصرف الجهد إلى تحقيق أنواع الدعارة ومدى انتشارها والأسباب التي تزيدها اتساعاً أو تضيق من مجالها، وإلى تحقيق الجهود التي تبذلها الهيئات المختلفة حيال هذه الرذيلة والوسائل التي اتخذت إما لمحاربتها وإما للإشراف على تنظيمها والنتائج التي أسفرت عنها هذه الجهود.
وسيضاف إلى هذه التحقيقات نتائج بحث شخصي وتحريات وملاحظات في المدن الكبرى من إنكلترا وايقوسيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا والسويد وألمانيا والنمسا والمجر وسائر الأقاليم التي يطلق عليها اسم أوربا الغربية والتي يشتد التشابه بين بعضها وبعض في حياتها الاجتماعية ومُثُلها الوطنية العليا ومعاهدها السياسية
ولكن القوانين في تلك الأمم نفسها ليست متجانسة المواقف حيال مسألة البغاء؛ ومن أجل ذلك اختلفت الآثار المترتبة على هذه القوانين بين بعضها وبعض اختلافاً بيناً، ففي البعض أدت إلى كبح قوي، وفي البعض الآخر أدت إلى زيادة انتشار الرذيلة نفسها. على أنه بالرغم من اختلاف هذه المظاهر فقرار هذه الرذيلة متشابه من حيث المنشأ بحيث تصلح الوسيلة المختارة للعلاج في رأي هذا الكتاب لجميع هاته الأمم، ولن نتجاهل في أثناء البحث وجوه الاختلاف وإن تكن وجوه الخلاف نفسها دالة على وجوب اتخاذ وسائل متوافقة لمناهضتها، فإن البحوث الحديثة أسفرت عن تطابق بين هذه الأسباب إلى درجة أكثر مما كان مفترضاً. فأمر البغاء ينطبق عليه المثل القائل (لا جديد تحت الشمس) أكثر من انطباق هذا المثل على أي أمر آخر. كما دلت الكتب التي خلفتها القرون الوسطى في شأن البغاء على تطابق عجيب في حالة هذه الرذيلة بين تلك العصور وبين العصور الحاضرة
وإن وجوه الخلاف التي سبقت الإشارة إليها في الأمم التي ذكرناها بشأن وجوه النظر فيها وإما في حالة انتشار المرض وأما في السياسة التي تتبع حيالها - إن وجوه الخلاف هذه