قبل أن أعرض على القراء الأفاضل، وأصدقائي الشعراء منهم خاصة، نماذج مما نظم روادنا الأوائل في الشعر المرسل، وفي مقدمتهم الثائر الأول الأستاذ محمد فريد أبو حديد، ثم الأساتذة: علي أحمد باكثير، وأحمد فريد أبو شادي، وخليل شيبوب، ومن عسينا أن نعرض لهم من شعرائنا فيما بعد. . . قبل أن أعرض هذه النماذج أرجو أن أذكر القراء والشعراء على السواء أن الشعر المرسل لا يستعمل إلا في الروايات التمثيلية والملاحم والقصص الطويلة بأنواعها، وأرجو أن أذكرهم أنهم حينما يتفضلون بقراءته فواجب ألا يقفوا عند آخر البيت أو السطر يتلمسون الفقيد العزيز الذي ضحى به في هذا الشعر. . . هذا الفقيد الذي ما اخترع الشعر المرسل إلا لتخلص من شره. . . هذا الفقيد هو القافية
يجب ألا يقف القراء عند آخر كل سطر يتلمسون هذا الفقيد الذي يحسن ألا يعز عليهم مغيبه، بل يجب أن يقرأوا هذا الشعر المرسل على أنه كلام موزون لا ينتهي عند آخر البيت أو السطر، ولكنه ينتهي عندما ينتهي الغرض من الكلام أو الغرض من الحوار. . . فالكلام جارٍ ما جرى الحوار ولا يقف إلا عند نهاية المنظر، وليس يقف أجزاء أجزاء عند القافية كما هي الحال في الشعر الغنائي
وقد اتخذ الأستاذ أبو حديد - الشطر - وحدة له في شعره المرسل، وكذلك الأستاذ باكثير؛ أما الأستاذ أبو شادي فقد جعل البيت كله وحدته في أكثر ما نظم، ولذلك يضطر قارئ شعره إلى الوقوف آخر كل بيت، وعند ذلك يشعر القارئ أنه يبحث عن الفقيد العزيز أو الغير العزيز، وهو القافية، وعند ذلك أيضاً يشعر القارئ بخيبة أمل شديدة لاختلال الموسيقى واضطرابها. . . أما الأستاذ شيبوب فقد سلك طريق الشعر الحر، وذلك بعدم ارتباط بعدد التفعيلات في كل سطر، لكنه بالغ في تعدد البحور مبالغة شديدة، وفي ذلك من التنافر ما فيه، مما سوف نعرض له في فرصة أخرى إن شاء الله
مقتل سيدنا عثمان
ذكرنا في الكلمة السابقة أن الأستاذ أبا حديد نظم هذه الدرامة سنة ١٩١٨ وإنها لذلك أول