للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

ذكريات يثيرها العيد:

(ونظر إلى السماء نظرة طويلة، حار فيها دمع واضطراب بريق. . واحة في صحراء؟ ونبع يتدفق ماؤه؟ وزهرة ندية بالعطر فواحة بالأرج؟ كل هذه الأشياء يا رب له؟ أين كانت وأين كان؟!. وابتسم للحياة من قبله، وأضفى عليها من روحه، وقبس لها من حبه، وأصبح إنساناً غير الذي كان!

وألقى بالماضي كله في زوايا العدم. . لقد كان يعيش في حاضرة؛ حاضره الذي داعبته رؤى من المستقبل الباسم، ورقصت على حواشيه أطياف من الأمل الوليد، وانطلقت في أرجائه صيحة العمر الذي بعث. . هناك ينظره المجد تدفعه إليه يد حانية، وقلب يخفق، وبسمة تشرق، وروح برح بها الشوق إلى لقاء روح؛ ويا بعد الدنيا التي كانت في قلبه والدنيا التي تراءت لعينيه!

ومضت به الحياة في طريقها تطوي الأيام. . الزهرة الحبيبة يسقيها من فيض عطفه، والنبع الرقراق يسعى إليه إذا ظمؤه، والواحة الوارفة تحميه بظلها من لفح الهجير: يا صحراء: أين كانت الجنة؟ لقد كانت في رحابك وهما بغيضاً لا غناء فيه!

يا صحراء: أين كانت السعادة؟ لقد كانت في عذابك حلماً مخيفاً لا تأويل له! وأنت يا زهرته الحبيبة أين كنت؟ لقد قالت له عيناك إن الجنة ليست وهماً، وإن السعادة ليست حلماً، وإن ماضيه كله يمكن أن يختصر في لحظة من حاضره. . وماضيه الذي أصبح ذكرى في طوايا الغيب، وومضة في ثنايا الخاطر، وصرخة كتمت أنفاسها يد النسيان!

وفي تلك الدار من ذلك الحي كان هواه. . يذهب إليها مع الصبح، وحين يقبل الليل، وكلما هزه الشوق وطال الحنين؛ ولن ينسى كيف كانت تستقبله الدار يوم كان يقصد إليها: ملء يديه زهر، وملء عينيه أمل، وملء قلبه حب، وملء نفسه دنيا من الأحلام. . أبداً لن ينسى الوجه الذي كان يتلقاه باليدين حين يقبل، وبالروح حين يجلس، وبالدعاء حين ينصرف مودعاً إلى لقاء قريب. ولن ينسى أنها كانت تهوى الأدب، وتعشق الفن، ويملك عليها المشاعر كل معنى جميل. . ولن ينسى أن صلتها به كانت عن هذا الطريق الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>