لقد أحببتها بجنون، وما أدري لماذا يحب الإنسان؟ وما أغرب أن ترى شخصاً واحداً في الحياة يملك عليك مشاعرك، واسماً واحداً في الحياة تردده شفتاك، اسماً يتردد باستمرار ويصعد من أعماق النفس إلى الشفاه، اسماً يردده المرء كثيراً ويتمتم به في كل مكان كالصلاة!
وسأقص عليك قصتنا:
لقد قابلتها وأحببتها، وهذا كل ما حصل وكنت طوال العام أحيا بين أعطافها وأتمتع بدلالها ورقتها، ولم أعبأ آنذاك أكنت في نهار أم ليل، أكنت حياً أم ميتاً في هذه الحياة. . .
ثم ماتت. كيف؟ ذلك ما لم أدرك كنهه ولم أعرف عنه شيئاً ولكني أذكر أنها أتت إلى البيت ذات مساء في ليلة أشتد مطرها وهي تقطر ماء، فأصابها البرد في اليوم التالي ولزمت الفراش أسبوعاً. . .
أما ماذا حصل فلا أذكره الآن! وكل ما أذكره أن الأطباء كانوا يجيئون ويصفون لها العلاج الذي لم تقو على تجرعه إلا بمعونة صويحباتها. كانت يداها ساخنتين وجبهتها تكاد تتقد من الحرارة ونظراتها حزينة ساهمة، ولما تكلمت معها أجابتني، غير أني لا أذكر ما تحدثنا به، لقد نسيت كل شيء، أجل كل شيء. ثم ماتت، وأني لأذكر تماماً نظراتها الساجية وأتذكر قول الممرضة (آه) وعندها فهمت كل شيء. . . ولا أعرف شيئاً آخر سوى قول القس لي: أسيدتك! فظهر كأنه أهانها، وجاءني آخر وكان لطيفاً رقيق القلب وحدثني عنها فذرفت الدمع حزناً. . .
وعندما رأيت صويحباتها يسرن مع الجنازة، وليت الأدبار، وسرت في الشوارع شارد الذهن، وفي اليوم التالي ذهبت إلى باريس. ولما رأيت غرفتي هناك، ورأيت فراشنا وأثاثنا وكل ما تبقى من الأشياء بعد موتها، وجدتني غارقاً في بحر من الأحزان، فهممت أن أفتح