للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أقصوصة من الأدب المجري

الأنشودة

بقلم الكاتب المجري يوليس كرودي

(إن ينفق المرء وقته في الليل، تحت نافذة، ومن وراء حجاب، ولا يعمل شيئاً إلا أن يفكر في امرأة، أمر حاوله بلا ريب كل إنسان في هذه الحياة). والحق أنه من السخف أن تجد رجلاً رزيناً يسير في الطريق نهاراً رافع الرأس، يحمل من وقت إلى آخر، إذا ما جاء الليل على ارتكاب الحماقة تحت تأثير الجوي والأفكار التي تحملها الخفافيش؛ فيذهب ليلاً ويتربص تحت نافذة، بينما لا يشعر إنسان بأمره، وليس لعمله أي معنى، إذ ربما كانت السيدة المنشودة تحلم في مثل هذا الوقت بأوراق (اليانصيب، أو تحلم برجل آخر؛ أو يعمد إلى تلاوة نظم بوشكين تحت الأشجار، بينما لا يصغي إليه إنسان سوى الليل. . . والله شهيد على إنه ليس ثمة حياة أكثر خزياً وإثماً من حياة رجل عاشق!)

دونت هذه الأسطر فيما مضى حين كنت أعتقد من الضروري أن أسطر على الورق بعض مشاعري، في مذكرة عتيقة ذات غلاف أحمر، وقد مرّ على ذلك زمن طويل، وكنت يومئذ في العشرين؛ وكنت ألاحظ كثيراً من الأشياء المختلفة التي لا أتنازل اليوم بالالتفات إليها. وكنت أحب السياحة في العربة من مدينة إلى أخرى، فكنت أحفظ أسماء نسيت أصحابها، وأدون في مذكرتي بكل عناية ما أقف عليه في الفنادق العتيقة، محطات أسفاري؛ ففي فندق (الوردة البيضاء) كانت هناك آنسة خادمة تدعى فالي، وكانت تتعلم الفرنسية خفية؛ وسمعت صاحب حانة ليلية في الطريق الأعظم يتحدث عن الإمبراطور فرانز يوسف، ويقول أنه مرّ وهو فتى من هذا الطريق في عربة تجرها أربعة جياد؛ وفي بلدة صغيرة تحف بشوارعها الأشجار وتتدلى أغصانها ذابلة، وتأتي إليها أصوات الأجراس خافتة من وراء التل كأنما تأتي إليها من أجراس البلدة المجاورة، كانت هِرَرة هزيلات تجوب طرقاتها يوم الخميس المقدس، وثمة رجل في فناء داره يشمر عن ساعديه ويحتسى النبيذ الأحمر ويقرأ في جريدة عتيقة، وهو كئيب كأنه متسول ترك هنالك جيش الإمبراطور؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>