أصبح للناحية الوطنية في الشعر العربي الحديث نصيب كبير في مصر جدير بالتدوين والتقدير. فالشعراء الذين استلهموا وحي الوطنية في قصائدهم، واهتزت لها مشاعرهم، واستجابوا إلى نداء الوطن في دنيا الشعر والفن والخيال؛ وكانوا مرآة صادقة لعصرهم، ومصدر إلهام وتوجيه لمواطنيهم، وترجمانا لهم في آمالهم وآلامهم، وأحاسيسهم وأهدافهم؛ هؤلاء خليقون بالتحدث عن شخصياتهم ودراسة أشعارهم الوطنية. كل منهم بمقدار ما أنتج وأثمر وأجاد وأبدع.
فمن أين نبدأ هذه الدراسة؟
يبدو لي أن الروح الوطنية قد بدأت تغذي الشعر المصري، وتبعث فيه من حياتها وبهائها، وتضفي عليه من جمالها وجلالها، منذ أوائل القرن التاسع عشر. فإلى هذا العهد نبدأ بالحديث عن (شعراء الوطنية).
رفاعة رافع الطهطاوي
١٨٠١ - ١٨٧٣
هو أول رائد لنهضة العلم والأدب في النصف الأول من القرن التاسع عشر. كان شاعراً رقيقاً بالقياس إلى عصره. أشربت نفسه الوطنية منذ نعومة أظفاره. تلقاها من إيمانه الصادق (وحب الوطن من الأيمان) ومن فطرته السلمية، وخلوص نيته. ولما جاء عهد البعثات العلمية إلى الخارج كان من حسن التوفيق أن اختاره محمد على ضمن أعضاء البعثة الأولى التي سافرت إلى فرنسا سنة ١٨٢٦. فجمع إلى ثقافة الأزهرية ثقافة أوربا وعلومها وآدابها. فاقتبس منها الشيء الكثير، وازدهرت روحه الأدبية على ضوء الحضارة الغربية.
وقد استثار رحيله عن مصر عاطفته الوطنية العميقة المتأصلة في نفسه الحساسة. فجادت قريحته وهو في باريس بقصيدة عبر فيها عن الحنين إلى الوطن وأهله، والإشادة بمفاخرة. قال في مطلعها: