كانت كشوف بستور وكوخ قد شاعت في الناس فثاروا لها جنوناً، فكان لا هم لهم إلا بها، ولا حديث إلا فيها، فلما لما جاء عام ١٨٨٣ انقلب متشنيكوف من باحث طبيعي إلى صائد مكروب؛ وكان قد خاصم رجال السلطة في جامعة أودسّا، فترك الجامعة وذهب إلى جزيرة صقلية، وصحب معه زوجته أُلجا وأخوتها؛ فلما حلوا جميعاً بها اتخذوا لأنفسهم فيها منزلاً صغيراً ذا طابق واحد يطل على المياه اللازوردية لشاطئ كلَبرية، وفي حجرة الجلوس هيأ متشنيكوف لنفسه معملاً مرتجَلاً. وأوحت إليه نفسه بأن الشيء الرائج عندئذ في العلوم هو علم المكروب، فأخذ يحلم الأحلام ويأمل الآمال عن كشوف خطيرة لمكروبات جديدة يكتشفها، وكان يلذّ له العمل أيضاً فيها لذةً صدق، ولكنه لم يكن يدرى من طرائقها الخدّاعة شيئاً، بل قل أنه لم يكن رأي مكروبة واحدة؛ وطال تجواله في حجرة الجلوس هذه يشرح لألجا نظريات علم الحياة تارة، أو هو يدرس نجوم البحر واسفنجياته تارة، أو هو يحكى الحكايات لأخوة أُلجا وأخواتها، واختصاراً كان يفعل كل شيء لا يمُتُّ بصلة إلى تلك الأبحاث المجيدة التي قام بها كوخ وبستور.
وذات يوم أخذ يدرس كيف تهضم الاسفنجيات ونجوم البحر أطعمتها، وكان قبل ذلك عثر في داخل هذه الأحياء على خلايا غريبة هي بعض أجسام هذه الاحياء، ولكنها مع ذلك تدور فيها دوران الحر الطليق، وكانت هذه الخلايا الأفاقة التائهة تسبح في مجاريها كما تسبح الخلايا الأشهر المعروفة بالأميبا تضرب ببعض جسمها الرخو قُدُما في سائل الجسم، فإذا برز منه ما يشبه اللسان جرّ ما تخلف من الجسم وراءه.
وجلس متشينيكوف من بيته في غرفة الجلوس، وقعد إلى المنضدة وجاء بعلقات من نجوم البحر، وأدخل في أجسامها شيئاً من صبغة الكرمين وجاهد في إدخالها جهاد الرجل الذي لا تستطيع يداه مجاراة عقله، وضاق بهذه التجربة صدره للذي عانته أصابعه الثقيلة في