أجرائها، وكانت تلك فكرة بارعة من بنات أفكاره الحسان، لأن هذا العَلَق شفّاف كالزجاج، فكان في استطاعة صاحبنا أن يتتبع بعدسته ما يجرى فيه، ونظر فوجد تلك الخلايا الأفّاقة الطليقة تسبح إلى حبّات صبغته، فإذا بلغتها التهمتها التهاماً، ففرح وطَرِب، وخال متشنيكوف إلى تلك الساعة أنه يدرس كيف يهضم نجم البحر طعامه؛ ولكن طافت في حواشي فكره أشباح من أفكار جديدة يتضاءل إلى جانبها موضوع الهضم تضاؤلاً كبيراً، أفكار رائعة مبهمة لا تتصل بمبحَث الهضم من قريب أو بعيد.
وفي الغد ذهبت أُ لجا بالأطفال إلى السرك يشهدون ألعاب قردة بارعة التمثيل؛ وبقى متشنيكوف حيث هو من غرفة الجلوس وعلى وجهه لحية كلحية القديسين؛ وقد أخذ بشدّ شعراتها شداً؛ وقد أخذ نجم البحر في مائة بوعائه. ولكن لا يرى منه شيئاً. وفي ساعة قصيرة جرى له مثل الذي جرى للقديس بولص وهو في طريقه إلى دمشق لما شعّ في وجهه ذلك النور الباغت فأعماه. نعم في ساعة قليلة، في دقيقة قصيرة، في ومضة برق، أو لحظة عين نزل الوحي على متشنيكوف فتغّير بغتة مجرى حياته.
(إن هذه الخلايا الأّفاقة التوّاهة في أجسام نجوم البحر تأكل الطعام وتلتهم حبّات الصبغة - إذن هي لا بد تأكل المكروبات أيضاً. وفي أجسامنا نحن، وفي دمائنا نحن، لا بد أن كراتنا البيضاء هي التي تلتهم الجراثيم فتحمينا من غوازيها. . إن هذه الكرات البيضاء هي سبب حصانتنا من العدوى. . . إنها هي هي التي تقي الجنس البشرىّ من فناء سريع تحمله إليه أجناس البشلاّت).
وهكذا، بدون أي دليل، وبدون محاولة أي تجربة، قفز متشنيكوف هذه القفزة الكبرى من هضم نجم البحر إلى أدواء الإنسان.
كتب في مذكراته:(وبغتةً وجدت نفسي قد انقلبتُ عالِمَ أمراض وهذا انقلاب كبير لا يَعْدِلهُ إلاّ انقلاب زمّار إلى فلكيّ. وكتب (وأحسست أن هذه الفكرة ستتمخض عن أمر كبير الخطورة، فاضطربت نفسي واهتاجت فأخذت أغدو في الغرفة وأروح حتى لَذَهبت إلى شاطئ البحر أستجمع فكرى). وكتب:(وقلت لنفسي لو صّحت هذه النظرية إذن لتوقعت إذا أنا أدخلت فِلقة خشب في نجم البحر أن تتجمع هذه الخلايا الأفّاقة حول الفلقة دفعاً للسوء الطارئ.) وذكر بهذا أن الرجل تدخل في إصبعه الشوكة فينسى أن ينتزعها فلا