أقفى على ما كتبته في المقال السابق عن موقف المسلمين من تقليد أوربا بشذرات من الفيلسوف الشاعر الهندي محمد إقبال تؤيد ما قلت. وهي شذرات من كتابه جاويدنامه، وهو رحلة خيالية في الأفلاك والجنة تضمنت آراء إقبال في الإسلام والمسلمين، وسأتكلم عنها في مقالات أخرى، وإن تكن هذه الشذرات طويلة فالحق لا يضره الطول. قال على لسان سعيد باشا حليم حينما لقيه في فلك عطارد مخاطباً المسلم:(قم فصوّر بنفسك عالماً آخر، وامزج العشق بالذكاء الباهر. إن شعلة الإفرنج أصابها الماء فهي خامدة، فالعيون ناظرة والقلوب هامدة؛ أصابت سيوفهم منهم المقاتل، فسقطوا كصيدهم في المجاهل. فلا تطلب الحرقة والنشوة من كرومهم، ولا ترجّ عصراً جديداً في أفلاكهم. في نارك أنت حرقة الحياة ونورها، وعليك أنت بعثها ونشورها قال مصطفى وهو يتغنى بالتجديد: (لابد أن كل قديم عتيد.) إن الكعبة لا تجد فيها الحياة، إذا جاءها من أوربا اللات ومناة. وا أسفا ليس في رباب التركي نغمة جديدة، جديدة قديم أوربا الغالبة. لم يكن غير هذا النفس في صدره، ولم يكن سوى هذا العلم في ضميره. فلا جرم سكن إلى العالم الموجود، وذاب كالشمع في حرقة العلم المشهود. وكم في طباع الكائنات من طريف وجديد، ليس في تقويم الحياة هذا التقليد، إن القلب الحي يخلق العصور، وينفر من التقليد أي نفور
إن يكن لك قلب المسلم الولهان، فأنظر في ضميرك والقرآن، كم عالم جديد في آياته. وحسب العصر الحاضر واحد من عوالمه، إن نفذ قلبك إلى بواطنه، إن المؤمن من آيات الله الوهاب، يابس العوالم لبس الثياب. كلما قدم عليه عالم منحه القرآن عالماً آخر. . . الخ
وهذا حديث من الكتاب نفسه بين نادر شاه ملك إيران وزنده رود (محمد إقبال) حينما التقيا في الجنة:
نادر:
مرحباً بالشاعر المشرقيّ، الذي يجدر به اللسان الفارسيّ، إني محرم للأسرار فأفش أسرارك، ماذا عندك عن إيران الوطن المبارك؟