وبعد الشمس قطعنا الصخور وبان بان الجفا والشرور، ولم نزل نقطع بحيرة بحيرة، وقرية قرية ما بها طيرة، إلى أن وصلنا بإسعاف اللطيف الخبير، إلى محل بإمداد مطير، كاد لولا المعونة والتبشير، تحصيل الانقلاب في الطيار الكبير، ورجفت القلوب واتسع رنق الخطوب، وكان الليل دهم وزاد ولم ننم إلا اليسر، لغلبة وارد، وهم مبير، وخرجنا في الصباح المنير للبر المبر بأهله، وانتظرنا المعاش، ولحقناه في قياسه، بانتعاش، وطاب معنا الريح المريح، إلى أن وصلنا إلى (مونسة) وبتنا بها ليلة مؤنسة، وزرنا من حولها من سادات وأعيان، ثم إنا خرجنا إلى البر نروح النفس بمشاهدة ملك البر وأردنا أن نسير على ظهور الحمير، نحو (بولاق) لعظم اشتياقه فرأينا المركوب لا يركب، فعدنا إلى المراكب ثم سرنا إلى أن سامتنا (وردان) الساحبة بعمارها على غير ذيل الخيرات وزرنا رجالها السبعة الفائقين على النجوم السيارة والميزان. ثم خرجنا إلى (بحر التضامي) وحزت بزوته بر مرامي، ثم وقبل أن وصلنا (مجر الخمسين) قرأنا الفاتحة لسيدي إبراهيم ساكن الجميز ومن حوله من سادات له على الغير ميز، ولما وصلنا المجر، خرجنا ثانيا إلى البر، وسرنا وقد طاب المسير، إلى القاهرة ذات الوجه المنير، وبهجوم الليل واختلاف الميل حولت المعاشات إلى ناحية البر، ولذا لهم حسن المقام والمقر، وبتنا فيه والبسط يصافينا نتسامر مع الإخوان، ما يكون وما كان، وعلت أصوات الملاحين، بالنغمات المصرية والتلاحين، وغنى ممسك الدفة مواليا في المديح النبوي له حقه فاستعدناه وكتبناه وهو:
خذني معك يا دليل الركب يا منصور ... أزور قبر التهامي فج منه النور
قال الدليل يا صبي تقدر تدوس الدور ... فقلت عيان زي يجبر المكسور
وثنى فقال:
لما قرص صاحب الشيبة كتم ما باح ... نايم حبيبو على فخذه وهو مرتاح