قال لي صاحبي ليعلم ما بي. . . مالك كأن أمراً ذا بال استقل بك عن دنيا الناس. قلت: صدقت فراستك يا صاحبي على ندرة ما تصدق؛ فقد انفرجت الهوة بيني وبين دنيا الناس، وأصبحت مشغولاً بتوافه المخلوقات في دنيا الصراصير. . . وهذه الطائفة من هوام الأرض هيئة ضئيلة الخطر؛ لأنها تألف بإملاء طبعها عليها، ودفع تكوينها لها، (الجدار) المتداعي من (بيتك) الذي يريد أن ينقض وتريد أنت أن تقيمه، فلا تريد له هذه الصراصير بقاء أو سلامة، هي جادة في عبثها وأنت جاد في حذرك منها والهزيمة على البائس منكما. . .
ومن فلسفة الحياة أحيانا، أن تقذف بالسوس في لفائف العود الباكر فإما أن يتقصف أو يستطيل على الريح!!
ومن فلسفتها كذلك أن تحترم عزمة الكاسر الضاري وتشد وثاقه وتطلق عليه (الفيران) تلتطم بجبهته وتتساقط حواليها ولن تظفر بعد ذلك منه بغير تثاؤب طويل.
أعود بك يا صاحبي لقصة الصراصير. . . فهي في فلسفتها ليست بأقل شأنا من فلسفة السوس مع العود الباكر، أو جماعة الفيران مع الضاري الكاسر، وما أخالك تستريح للاسترسال في اكتناه أسرار هذا الفريق الآخر من فلاسفة المجتمع.
أعود فأقول لك: إنك إن يئست من اتقاء شر هذه الحشرات فأنت مقدم بذلك كافة جدران بيتك هدية لفتكها وعملها الخبيث.
هي مولعة أن تأكل اللبنات الطيبة، فان لم تجد جداراً تقوى عليه، انقلبت يعدو بعضها على بعض، فتتآكل وتفنى، والموقف منها ذو حيلتين: إما إن تقيم معها على الضيم الرخيص وفي ذلك اعتراف بها، وتقويم لوجودها. . . ثم فيه أخيراً تشجيع لها لتمضي على سنتها التي درجت عليها، من الاختلاف إلى كل جدار؛ تتكاثر في قاعدته، ثم تنسرب جماعاتها في تجاليدها المظلمة، تكد وتجهد، حتى يتطامن الجدار ويصبح كله قاعدة. فإذا البيت لا يصلح إلا لهذه الصراصير. . . وحيلتك الثانية معها أن تنزح وتتركها في الزوايا المظلمة؛