أحسب أن هذا الفصل لن يجوز إلى مصر ويكون في أيدي القراء إلا بُعَيْد اليوم الذي يتخذه المسلمون عيداً، يذكرون فيه هجرة سيدهم وسيد العالم محمد صلى اللًه عليه وسلم ويذيعون فيه سيرته وشمائله، وتروج فيه سوق المباحث الإسلامية، وتجري بها أقلام الكتاب، وتمتلئ بها صحف المجلات، ولن أعود فيه إلى حديث كتاب الدين الإسلامي الذي طالما تكلمت فيه في الرسالة وأفضت، وبدأت وأعدت (انظر أعدادها ٣١٤، ٣٣٢، ٣٣٦) فكنت كنافخ في غير ضرم، وصارخ في وادٍ، وإن الصارخ في الوادي ليسمع رجع الصوت، ونافخ الرماد ينثر الغبار، ومقالاتي لم تحرك من هؤلاء (العلماء. . .) ساكناً، ولم ترجع لها الأيام صدى، مع أن المقبرة. . . تردّ الصدى على من يصرخ بين القبور!
ولكني متكلم اليوم في تعميم الثقافة الإسلامية، تعميما يعرف به الناس (أعني المسلمون) دينهم، ولا يكون مسلماً حقاً من لم يعرف دينه، ومن يكتفي من الصلة به بأن أبويه مسلمين، وأن اسمه محمد أو علي لا جورج ولا طنّوس. . . ولا يكونه أبدأً إلا إذا عرف حقيقة الإسلام وألم بعلومه، وعلم الحلال من الحرام، ولا يكون ذلك ألا في المدارس والمساجد، فالمدارس للناشئة والمساجد للعامة، وكلاهما اليوم في قصور عن هذه الغاية بيُن:
أما المساجد فليس تخلو من أثار علم، هي بقية من ذلك الفيض العظيم، كالذي يبقى في الوادي من ماء السيل، ليس فيه عوضُ منه ولكن فيه دليل عليه. ولقد غير دهر كانت فيه المساجد بمثابة جامعات اليوم تدرّس فيها كل معضلة، ويقرأ كل علم حتى الطب. لا أمثّل على ذلك بمساجد الكوفة والبصرة قديماً، وبغداد والفسطاط، فذلك شئ مستعان خبره متواتر مشهور، ولكن أمثل بما كان يرى من حلقات العلم، من قريب، في مسجد دمشق ومساجد القاهرة وبغداد وما يرى اليوم في النجف من حلق كثيرة يدرس فيها مذهب القوم، وتقرأ فيها العلوم على الطريقة التي يرتضيها لأنفسهم علماء تلك الديار ومتعلموها، فلم يبقى من ذلك (حاشا النجف والأزهر) إلا حلقات قليلة، ومجالس وعظ، كثيراً ما يتولاها غير