في هذا الكون ظواهر غامضة يحاول الناس أن يتفهموها بعقولهم، فيعرجوا إليها بعكازات من هذه العقول البطيئة المتثاقلة، بينما يقفز بعض الناس إلى حقائق هذه الظواهر الغامضة بإحساسهم لا بعقولهم فيوفقوا إلى قوانينها توفيقاً من حيث لا يتكلفون ولا يتعمدون. ولعل أبرز ما تصدى له هذا الفريق من أهل الحس فبلغوا غايته، ثم لحقهم العلم بعد أجيال فقرر ما أحسوه، هو هذه النفس الإنسانية التي أحسها الكتاب والروائيون منذ آلاف السنين، فعرضوها في قصصهم وساروا بها في مناهجها الصحيحة؛ ثم خلفوها للعلم الذي أخذ يحاول في القرن الماضي فقط أن يتعرفها على أساس يطمئن إليه هذا العقل الشكاك الذي ينكر الحس.
وإذا كان أهل العلم يعرفون الفن بأنه التطبيق العملي للنظريات العلمية التي تحوم حول موضوع واحد، أو التي تدور حول مسألة واحدة، فإنا نرى في تعريفهم هذا ما يعزز الذي نذهب إليه. ذلك أننا نلحظ أن فنون الناس سبقت علومهم، فقد طار الإنسان على بساط الريح في قصص ألف ليلة وليلة قبل أن يركب متن الهواء في الطائرات والمناطيد بألف سنة على الأقل. وقد حول الإنسان الرصاص والنحاس إلى ذهب في خرافات الأقدمين قبل أن تحول المعامل (السلاؤون) الأحمر إلى ذهب في العصر الحديث. وقد استطلع الإنسان الغيب في كرة البلور الهندية ما شاء من الغيب قبل أن تنتهي الدراسة الجديدة إلى (التنويم المغناطيسي) بقرون وقرون. وقد مُسخ الإنسان قرداً عقاباً له على الشر في قصص القدماء قبل أن يعلن داروين نظرية التطور بدهور ودهور.
فكيف اهتدى هؤلاء (المخرفون) القدماء إلى هذه الحقائق التي لم يثبت أنها حقائق إلا بعد أن تغيرت الأرض ومن عليها؟ هل كانوا يطبقون نظريات علمية تدور حول موضوعات متفرقة فدار كل منهم بنظرياته حول موضوع؟ هل يمكن أن يكون هذا قد حدث مع تسليمنا