حتى العلماء كانوا في جانب انبعاث الأحياء من لا شيء. أعلن الطبيعي الإنجليزي (رس) بأسلوب توكيد تحس فيه يقين العالم وثقة العارف، قال:(إن من يتشكك في أن الخنافس والزنابير تكونت من روث البقر فإنما يتهم العقل والحس والتجربة). حتى الحيوانات التي هي أعقد من هذه وأكثر أعضاء كالفئران لا حاجة بها إلى الأمهات والآباء. ومن قال غير هذا فعليه أن يذهب إلى مصر ليعرف كيف تعج الحقول بالفئران التي تكونت من غرين النيل فآذت السكان إيذاء كبيراً
سمع اسبلنزاني كل هذه الأقاصيص التي اعتقد صدقها أناس كثيرون ذوو خطر وعلم، وقرأ قصصا أكثر من هذه عدداً وأبعد في الأغراب، ورأى الطلبة تتنافس فتتخاصم وتتلاكم لتثبت أن الفأر لا حاجة به إلى أب أو أم. ومع كل هذا لم يعتقد في شيء مما رأى أو سمع. كان في رأسه تحزب، وفي قلبه تغرض وتعصب، وكثيراً ما نجد العلم يتقدم بمثل هذا التعصب والتحزب، بفكرة ليست من العلم، وليست مما يقال عادة في العلم، ولكن فكرة تخلق في رأس الرجل العلمي خلقاً، مبناها كره لخز عبلة شائعة وخرافة سائدة. رأى اسبلنزاني أن الإنسان تكفيه النظرة الظاهرة إلى الأمور ليقتنع بان الحياة لا توجد من عدم، وبأن الأحياء لا تخلق اتفاقاً من الأوساخ والأقدار، وإنما هي تولد عن سبب، وحسب نظام وقانون. ولكن كيف السبيل إلى إثبات ذلك؟
وفي خلوة في ذات ليلة وقع على كتاب صغير بسيط ساذج قرأه فأفاد منه طريقة جديدة لو اتبعها لعرف بها كيف تنشأ الحياة. كتاب لم يحاجج بالكلام، ولم يتمنطق بالألفاظ، بل اكتفى بالتجربة. وأي تجربة؟ وأي حقائق تتضح منها وتبين في سهولة ويسر، وذهب عن صاحبنا النعاس، ونسى أن الفجر يقترب، وظل يقرأ ثم يقرأ. . .
قرأ في الكتاب أن تخلق الدود والذباب من اللحم الفاسد خرافة أي خرافة، وإن كثيراً من