إن حياة الحريم في قصور سلاطين آل عثمان لتمثل هذا الضرب من المعيشة الذي تصوره ألف ليلة وليلة، والذي تفنن الكتاب الأوربيون في وصفه ما وسعهم الخيال، ففيها الأجواء المفعمة باللذة وضروب المتع والتسلية المختلفة. ولقد ظل (الحريم) من الأسرار الغامضة التي تتضارب فيها الأفكار، حتى إذا زالت سلطة الخلفاء، وأبيح للجميع أن يدخلوا قصورهم الفخمة، كشف القناع عن الكثير مما كان يجري فيه. ولا شك أن رغبة الغربيين في تعرف أسرار (الحريم) في القصور العثمانية كانت أعظم من أية رغبة أخرى في إدراك أحوال الدولة أبان عهد السلاطين، وكان ذلك مدعاة لأن يكتب الكثيرون - آنا بالحق وآنا بالباطل - حول هذه الناحية، وتنافس الخيال والحقيقة في تصوير الحياة داخل (الحرملك) فكان نتاجهما هذه الكتب التي تطلع علينا بها - بين حين وأخر - دور النشر في الغرب. ومن الكتب القيمة الطريفة حول هذا الموضوع كتاب الذي وضعه المستشرق الإنجليزي بنزر، وكان ملماً باللغة التركية، عاش في الآستانة ردحاً طويلاً، وخبر الحياة التركية عن كثب. وقد وصف في كتابه هذا حياة القصور، لا سيما قصر سيراليو الذي كان يسكنه سلاطين آل عثمان من آلاف النسوة اللائى جيء بهن - أما بيعاً أو اقتساراً - ويصف منظر (الخصيان) وهم يرفلون في أزيائهم العجيبة، فلا عجب إذا اجتذب الغربيين هذا الوصف لحياة تكاد تكون من بنات الخيال، بل لقد يقصر الخيال في كثير من الأحيان عن أن يتطاول لبلوغ الحقيقة الماثلة في قصر سيراليون
يقول مستر بنزر في وصف الحرملك (إنه دنيا صغيرة، محكمة الإدارة، دقيقة السياسة، خلى إلا من النساء اللائى تعيش كل منهن من أجل واجب تؤديه. . . والحرملك، وإن كان مجتمع نسوة، إلا أنه كثيراً ما دبرت فيه المكائد، وشهدت جدرانه تدبير دسائس تقشعر لهولها الأبدان، كما كان حظ الكثير من نزيلاته الجميلات القتل بلا رحمة. وكم ضمت أمواج البسفور من فتيات غضب عليهن السلطان فأصبحن طعمة لحيتان البحر وأسماكه) أما الخصيان، فقد أخذ عددهم يزداد كلما اتسعت موارد السلطان. وكانوا في أول الأمر من البيض غير أنه سرعان ما حل محلهم السود لما طبعوا عليه من إخلاص لساداتهم، أما