كان السفر إلى الهند أمنية تطاول عليها الزمان، وما طلت بها الأيام. وكدت أظفر بها سنة ١٩٣٩م، إذ ندبتني جامعة فؤاد لتمثيلها في مؤتمر للمستشرقين كان يقدر أن يجتمع في حيدر آباد صيف ذلك العام، ولكن الحرب العاتية التي ثارت حالت دون الأمنية.
وكان شوقي إلى الهند يزداد كلما زادت معرفتي بها، والتقائي بأهلها، واطلاعي على لغاتها وآدابها.
فلما دعت الجامعة الملية الإسلامية إلى احتفال لها في دلهي وجاءت الدعوة إلى جامعة فؤاد، كما بلغتني دعوة خاصة، وجدتها فرصة تغتنم، لولا أن الوقت كان قد ضاق عن التأهب لمثل هذه الرحلة. فاعتذرت جامعة فؤاد.
ثم جاءت الدعوة إلى مؤتمر العلاقات الآسيوية، وانتهى الأمر إلى أن ندبتني الحكومة لشهود المؤتمر رقيباً. وكان هذا الندب قبيل الموعد الذي ضرب للسفر على غير اختيار، وإنما حددته مواعيد الطائرات. فلبيت على بعد الشقة، وهيبة الطريق، وضيق الوقت، استجابة لما في النفس من تطلع إلى الهند وحرص على زيارتها.
- ٢ -
ذهبنا إلى مطار ألماظة والساعة واحدة بعد ظهر يوم الثلاثاء الثامن عشر من آذار (مارس) سنة ١٩٤٧ آخذين أهبتنا للسفر على إحدى طائرات الشركة الإنجليزية. فأخبرنا، بعد أن حان الموعد، أن الرياح غير ملائمة، وأن السفر أرجئ إلى صباح الغد، وجعلت الساعة الخامسة موعداً لرجوعنا إلى المطار.
وأخذنا مكاننا في الطائرة والساعة خمس ونصف، وأغلق الباب ومر بنا أحد ضباط الطائرة يقول: احزموا أوساطكم، وأشار إلى أحزمة مثبتة على المقاعد.
قلت: إن هذا أوان الحزم. وتوقعت أن تميد الطائرة في سيرها ميداناً لا يثبت فيه على