للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

إعجاب وتقدير

أيها الأستاذ الجليل (* * *)

إني ليطربني يا سيدي أن أقرأ لكم هذه المقالات القديرة، الزاخرة بالفائدة، في نقد الطبعة الأخيرة من (العقد الفريد). وليست تلك النقدات وحدها هي التي سبتني من علمك الغزير، واطلاعك المنقطع النظير، وإحاطتك بما تكنه ضمائر أسفار السابقين الأولين من أئمة اللغة وحفاظها، بل قد تتبعت في الرسالة الغراء كل ما دبجته براعتك منذ أول عهدك بها، لم تفتني منه فائتة؛ بل لقد اتخذت منه دروساً أتوفر عليها وأعكف على الإفادة منها، والتضلع من مغنيها الفياض

وإني لأعجب يا سيدي كل العجب - في هذا العصر الذي يباهى فيه بالقشور وسخف القول - كيف تتستر وتحتجب، وتقف في تواريك هذا وعزلتك مرشداً وهادياً، لا تبغي غير خدمة وطنك ولغتك

وإن أسفت على هذا التستر والاحتجاب، فإنما أسفي على أن أمثالي من طالبي المعرفة يودون لو أتيحت لهم فرصة لقائك، ليستزيدوا منك، وليتحلوا بما يشهدون فيك من كمال الخلق، ولكنك زهدت في نباهة الذكر، وعفت الإعلان، وآثرت العمل في جو خلو من الصخب والضوضاء

ضربت يا سيدي المثل في التواضع وإنكار الذات، وضربته في طهر قلمك من لوثة الزهو والعجب والمباهاة، فليتعلم من هذا المثل الصالح من يتصاولون على صفحات الجرائد والمجلات، فيدعون ما يتصاولون من أجله، ويخرجون إلى ميادين العيب والتجريح. ليتعلم هؤلاء منك ومن أمثالك الأعفاء، أن يقصروا أقلامهم على ما يدافعون عنه من عقيدة: الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان. ولينسوا أنفسهم وأهواءهم في سبيل الحق، وليدعوه شهوة الانتقام والتشفي، فإن أوقات القراء لأنفس من أن تبعثر في مثل هذا اللغو والزور من القول.

مزيداً أيها الباحث الجليل، فإنا إلى علمك وفضلك وخلقك لعطاشى

(أ. ج)

<<  <  ج:
ص:  >  >>