ليس أكثر من الكتب في الدنيا، ولعلها الشيء الوحيد الذي يزيد ولا ينقص، ولو أن ما كتبه الناس من أقدم العصور التي بقى لنا منها أثر - ودع ما نقل بعضهم عم بعض - جمع في مكان واحد، لملأ المدينة واسعة كالقاهرة ومعها ضواحيها التي تزحف بها على الريف من ناحية، وعلى الصحراء من نواح، وليس أشد شرها ممن يستقل ذلك، أو لا يرى فيه غناء، وهنا موضع التحرز أو التنبيه إلى وهم قد يسبق إلى بعض الأذهان، فما أعني أن في الموجود من الكتب ما يغني عن الاستزادة أو يصدّ عن التطلع؛ أو ما يكتفي به العقل الإنساني عن المضي في البحث والتقصي، وإنما أعني أنه حسب من شاء أن يقرأ، فما يتسع عمرٌ - مهما طال - للإلمام ببعض هذا الموجود من ثمار العقول، ولو أن أعمار الذين لا خير فيهم أضيفت إلى عمر الواحد منا (!!) وزيدت عليه، لما كانت كافية لتحصيل ذلك كله، ولكني، مع ذلك، أراني أحياناً - وأنا جالس بين ما بقى لي من كتبي - أتحسر وأتمنى: أتحسر لأن مطبوعاً من هؤلاء المؤلفين، على الشعر، أبى إلا أن يكون جاهلا نفسه، وتوهم أنه ناقد أو فيلسوف أو غير ذلك، وذهب يكتب. أو أن كاتباً فذاً غالط نفسه فراح يقرض الشعر، ويجئ بالغث ويحسب أنه صنع شيئاً، وأتمنى لو أن بعضهم نظم قصيدة في معنى يخطر لي، وأراه كان أقدر على صوغه، أو وضع كتاباً في بحث معين، أو كتب قصة مثلا، أو أردف ما كتب بشرح ما يعني، كأنما كل هذه الكتب لا تكتف ولا تقنع!
وأتساءل أحياناً - لو أن أبا العلاء لم ينظم أكثر سقط الزند وبعض اللزوميات، وزادنا من مثل رسالة الغفران، أكان هو ينقص شيئاً أم كان يزيد؟؟ وهل كنا نحن القراء نخسر أم نكسب؟؟ كنا نربح فيما أعتقد، ولم يكن يضيع علينا شيء من نظمه لا نهمله الآن، ولكن أبا العلاء غلط وآثر التكلف، ليرضي غروره، وليتعزى أيضاً بإظهار اقتداره. وإنه لفحل عظيم، وما يطيب لي أن يظن أحد أني أغمطه أو أنزله دون منزلته، وإني لأعلى به عيناً من أن يخطر لي أن في وسعي أن أظلمه، ولكني كنت أود لو زادنا من مثل الرسالة، وفي