١ - أوافق الأستاذ الجليل نقولا الحداد على قوله في كلمته المنشورة في العدد ٥٨٣ تعليقاً على مقالي (مسائل في وحدة الوجود): (إن الأديان السماوية الثلاثة ترفض نظرية (وحدة الوجود) رفضاً باتاً وأنها مجمعة على أن الله والوجود المادي منفصلان، وأن الله خالق الوجود المادي ومسيره).
غير أني لا أوافقه فيما ذهب إليه من أن بيئتنا الفكرية في البلاد العربية ليس فيها محل لحرية الفكرية أو القول أو القلم. فإن ذلك حكم قاس على تلك البيئة التي عرفت أنواع الحريات حتى في القرون الوسطى
وليست مناقشة أهل مذهب ديني أو فكري لأهل مذهب آخر دليلا على أن الحرية غير مكفولة، فإن الصراع والنزال في المجال الفكري لانتصار مذهب على مذهب ليس معناه الحجر على الحريات ما دام هذا الصراع لم يتخذ سبيل القوة والإرغام والاضطهاد من جماعة لجماعة.
ولست بحاجة إلى التدليل على أن كثيرا من الآراء والمذاهب في البلاد العربية وفي مصر خاصة لا يتفق مع المقدسات من العقائد. ومع ذلك يحيا أصحابها ويستطيعون أن يدافعوا عن آرائهم وحججهم ولا تمس أشخاصهم بسوء. (ولا يساقون إلى قضاء الامتحان الديني).
نعم لقد تنسب لبعضهم تهمة المساس بالعقيدة الدينية (ويحمل عليه حملة تكافئه). ولكن ليس يتعدى ذلك إلى غير الاتهام وحملة الكلام. . . وهذا بالطبع جائز لكل مناظر يرى رأياً ويقرر حكما في حدود الأدب، وعلى المناظر الآخر أن يدفع التهمة أو يرتضيها لنفسه إن كان ما صدر منه عن عقيدة راسخة يريد أن يدعو الناس إليها
فإن كان الذين يريدون أن يمسوا العقائد الدينية الموروثة معتقدين مخلصين لآرائهم، ويرون إنها الحق الذي يجب أن يدعي إليه فلماذا لا يحملون في سبيلها الاضطهاد والعذاب الذي لاقاه مؤسسو هذه العقائد والأديان، ويلاقيه كل داع إلى الخير؟
والطبيعة البشرية حتى في المجال العلمي الطبيعي تقاوم كل نظرية حديثة وقصة مقاومة العلماء والأطباء لنظريات إخوانهم المكتشفين لحقائق جديدة قصة معروفة حتى في هذا