للأستاذ عبد القادر المغربي. وكيل المجمع العلمي العربي بدمشق
وإن من النسوان من هي روضة ... تهيج الرياضُ دونها وتصوَّح
ومنهن غُلٌّ مقفل لا يفكه ... من الناس إلا الأحوذي الصَّلنقَحُ
يقول حكيم العرب: إن النساء مختلفات في طباعهن وأمزجتهن وغرائز نفوسهن: فمنهن امرأة حسنة السجايا طيبة الأخلاق، تشبه الروضة فيما اشتملت عليه من خضرة وزهر، وطيب ماء، ورقة هواء. بل أن الرياض الحقيقية ذات الخضرة والنضرة، قد (تهيج) أي يصفر نباتها و (تَتَصوَّح) أي تيبس أو تذبل أوراقها. أما تلك المرأة فهي روضة لا تهيج ولا تتصوَّح، وإنما تبقى ناضرة الخضرة، طيبة الشذا طول حياتها.
هذه واحدة من النساء يا سعادة مجتمعها بها.
ومنهن واحدة أخرى وصفها الشاعر في البيت الثاني بأنها كالغُلّ. وهو القيد المقفل أي المشدود على عنق الرجل أو يديه، يمنعه الحركة ولا يقدر على فكه إلا (الأحوذيُّ الصَّلَنقَحُ)
(الأحوذي) الحاذق في السَّوق، الذي يعرف كيف يسوق الدابة ويحملها على السرعة في السير. فبينا ترى غيره يقطع بها مسافة عشرة أيام تراه هو يقطع بها ثلاثة أيام. وذلك لأنه (صَلَنقح) أي صيَّاح شديد الصوت. (وصلنقح) كلمة غريبة وثقيلة على السمع، غير أنها قد تروج لدى القارئ المنصف مذ يرى المقام يقتضيها، والسياق يواتيها، والقافية تناديها.
ووصف امرأة السوء بالغل معهود عند العرب، ومنه قولهم:(هي غل قمل. وجرح لا يندمل) ومعنى (قَمل) أن الغُلَّ أحيانا يكون من جلد غير مدبوغ ويكون على الأسير الذي يدوم أسره ويطول عهده بالاغتسال فيتسخ بدنه ويعشش القمل في غله ويأخذ يرعى في تجاليده فيؤذيه ويمنعه طيب المنام وهكذا حال امرأة السوء في البيت الذي تعيش فيه.
قد يعترض معترض على البيت الثاني بأن فيه إحالة، ومعنى (الإحالة) في اصطلاح علماء النقد الأدبي أن يكون الكلام معدولا به عن وجه الصواب
وهنا قد شبه الشاعر امرأة السوء بالغل الموثق المحكم الشد. ثم قال انه لا يفك هذا الغل إلا سائق صيّاح شديد الصوت