ولكن هل من عادة القيود المحكمة الشد أن تفك وتحل عقدها بكثرة الصياح والجلبة؟
ربما كان في هذا الاعتراض شيء من الحق. فماذا كان يجب أن يقال إذن؟
كان ينبغي أن يقال في البيت الثاني هكذا:
ومنهن مُهر شامسُ لا يروضه ... من الناس إلا الأحوذي الصلنقح
فيكون المعنى أن من النساء من تكون كالمهر الشامس (أي الشموس) الذي يكثر شروده ولا يقدر على ترويضه وتليين شكيمته إلا الرجل الذي يعرف كيف يسوسه ويؤدبه بالانتهار ورفع الصوت والصخب عليه.
فتقول: ولكن كلمة (شامس) غير مأنوسة الاستعمال والمعروف (شموس) فماذا يمكن أن يحل محلها من كلمات اللغة؟
أقول يمكن أن يقال في البيت هكذا:
(ومنهن مهر كوسَجٌ لا يروضه. . . الخ).
و (الكوسج) من الخيل: الفرس الذي تريده على السير فلا يسير حتى تضربه.
فيقول القارئ معنى (الكوسج) حسن. ولكن لفظة اشتهر في معنى خفة شعر اللحية فلا أرى استعماله هنا. هات كلمة سواها يا أستاذ
فأقول هاكها:
ومنهن مهر خارط لا يروضه. . . الخ.
و (الخارط) الفرس الذي يجذب رسنه من يد ممسكة ثم يفلت شاردا لا يلوي على شيء.
ومثل (الخارط) الخَرُوط.
ولذلك تسمى المرأة الفاجرة التي جذبت رسنها من يد أسرتها (خروط)
يقول القارئ: وكلمة (خارط) أيضا قبيحة اللفظ وكفى (بالخرط) قبحا.
على أن استقباح القارئ لكلمة (خارط) في غير محله. وليس معه حق فيه: إذ كيف يستثقل كلمة (خارط) وهذه كلمة (خارطة) بمعنى الأطلس الجغرافي يتلفظ بها كثيرا. ويسمعها من صبيانه وبناته وهم يدرسون في بيته، ومن سائر التلامذة وأساتذتهم يقولونها عشرات من المرات في اليوم. كل هذا لا تستثقل معه أيها القارئ الكريم كلمة (خارطة) وتقوم الآن فتستثقل كلمة (خارط) وتتشاءم بها!!