لقد آن لنا أن نختم هذه الكلمات بعد أن بلغنا من تزييف مقالات (بين العقاد والرافعي) أكثر ما نريد. لقد كانت حملة جائرة قامت على الإفك والباطل تلك التي قام بها صاحب تلك المقالات على الرافعي رحمة الله عليه. وكان أمامنا لتبيين إفكها وباطلها طريقان: طريق يهملها ويجلو للناس حقيقة أدب الرافعي بدراسة ذلك الأدب ونقده؛ وطريق يدع أدب الرافعي حيث هو، يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله، ويعمد إلى تلك المقالات فيضرب بعضها ببعض وينسفها بعوامل نسفها المستكنة فيها. وكان الطريق الأول يحتاج إلى زمن وجهد أكثر مما يتيسر لنا فاضطررنا إلى الطريق الثاني. ونظن أن لم يبق بحمد الله من تلك المقالات الآن إلا ما يدع اللغم من البناء المنسوف
غير أننا نحب مع ذلك ألا نختم الموضوع من غير أن نقول كلمة نبين بها ما نعتقد أنه الفارق الحقيقي بين المذهبين اللذين يمثلهما في الأدب كل من الرافعي والعقاد
لقد جرى الناس على رد التفاصيل في الأدب إلى أصلين: اللفظ والمعنى، وابدءوا في ذلك وأعادوا وأسرفوا في الاختلاف بينهم: أي هذين الأصلين يقدمون على الآخر في تقديم أديب على أديب. واختلافهم هذا الشيء عجيب، فان اللفظ والمعنى ركنان متلازمان لا ينبغي التقصير في أيهما للأديب المكتمل. فكأن مثل اختلافهم لك لا تدعو إليه الحاجة إلا عند المفاضلة بين أدباء مقصرين. وإذا كان لا بد من الإعراب في هذا الشأن عن رأي فالتعبير له المقام الأول في الأحوال التي تكون الفكرة المعبر عنها شائعة لا تكلف مجهوداً؛ والتفكير له المقام الأول إذا كان الموضوع يستلزم أعمار الفكر لاستخراج الصواب؛ وعندئذ يكفي من التعبير الصحيح ما يجلي ذلك الصواب، ويكون كل ما يعوق ذلك عيباً ولو كان زيادة تفنن في التعبير. فإن أمكن الجمع بين التفنن في التعبير والجلاء والدقة في