للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عمرو بن العاص]

بقلم حسين مؤنس

والآن، فيم طول التفكير وبعد التقدير، وقد صار الأمر لعلي، واستقامت البيعة له في الحجاز، وترامى سلطانه إلى العراق، وامتدت خلافته فشملت مصر، وأولئك هم ولاته تَرْدِى بهم الإبل خفافاً إلى ولاياتهم، وهؤلاء صحابه وأنصاره يبعثون في النفوس ظلالاً من الخوف والرعب بعد الذي كان من قتلهم عثمان، وان عمراًليحس مطالع هذه الخلافة الجديدة في الشك وقلة التقدير، وانه ليجد انقباض نفسه عن طاعتها ورغبتها عن العمل في ظلها. . . بل إنه ليعمل الفكر ليجد من سلطانها مخرجاً ومن طاعتها مهرباً. . . ولعله يستوي في هذا مع أترابه من الصحابة والقادة. . . ولعله كان يرجو أن يتصل ببعضهم ليستطلع فكره وليبادله الرأي. . . وربما ود لو يتصل بعلي نفسه، إذن لأقنعه بالتخلي عن هذه الطوائف القلقة التي وصل حباله بحبالها، والتي تضر بقضيته كل الضرر. . . فإن في هذه الطوائف لنفراً لا زال دم عثمان يجري على أيديهم، وان فيهم لأوباشاً لا يليق بالخلافة أن تتصل بهم ويكونوا عدتها في الفتح والجهاد، وان فيهم لأحداثاً لا يستقيم بهم الأمر، ولا يحسن أن تكون بأيديهم أمور العباد؛ وماذا عسى ابن العاص أن يفعل مع هؤلاء وهو يرجو أن يكون سيداً لا مسوداً، وقائداً لا مقوداً، ثم هو يريد قبل ذلك (أن يشترط)، فما ينبغي لمثله أن يخطو دون أن يقدر للخطو موضعه. . . أو يمضي دون أن يعلم أين يؤدي به السير، أو يعمل دون أن يقدر ربحه وخسارته من هذا العمل الذي هو مقبل عليه. . . أليس هو القائل: (الكرار في الحرب، وإنني الصبور على غير الدهر، لا أنام عن طلب؛ كأنما أنا الأفعى عند أصل الشجرة؛ ولعمري لست بالواني أو الضعيف، بل أنا مثل الحية الصماء، لا شفاء لمن عضته، ولا يرقد من لسعته، وأني ما ضربت إلا فريت، ولا يخبو ما شببت. . .)

أليس هو الفاتح النابغة، والسائس الذي لا يشق له غبار. . . فما باله يبذل قياده طائعاً، ويقدم نفسه مختاراً. . . كلا. . . وليكن له في الميدان الجديد شأن عظيم. . . فما هؤلاء الذين يتولون الأمور إلا أترابه ولداته الذين لا يفضلونه في ماض ولا في حسب ولا مقام. . . والذين لا يساوونه في مكر ولا سياسة ولا تدبير. . . ففيم يكون ذنباً والرؤوس لا تزيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>