(الصراع بين الواقع والخيال صراع خالد. . فكثيراً ما يهرب المرء من واقعة المرير مع أحلامه إلى عالم الخيال الرحيب. . ولكن. . لا يستقر فيه إلا قليلاً حتى يرى الحياة في رحابه الفسيحة قاسية!!. . فيرجع إلى أحضان واقعة ليراه أشد مرارة من قبل!. . .)
هاأنذا جالساً لوحدي والدجى يرسم أمام ناضري عالماً رهيباً. . . هاأنذا صامتاً كأنني انتظر ساعة مفزعة، أو أرتقب حكماً قاسياً، والكون من حولي أخرس سكران بخمرة السكينة، والهواء البارد يلفح وجهي، ويبث القشعريرة في كياني، فأحس من أعماق نفسي بهمسة حائرة مضطربة، وتضطرب في نفسي لواعج وأشجان، وتختلج في رأسي أفكار وصورة قاتمة!.
هاأنذا جالساً على صخرة تعرفني، حبيبة إلى، عزيزة على نفسي. . . وقد صرخت من أعماق روحي قوة تدفعني إلى أن أقبلها وأبلل جسمها البارد بدموعي، وأركع تحت قدميها أستجدي الذكريات!.
والنهر أمامي يتهادى بسكون كأنه في موكب عزاء، وعلى سطحه لآلاء مرتجف كأنه مآل اليائس، وقد شعرت برهبة وخشية، فكأنني واقف على شاطئ مسحور. مجهول. . مبهم. . تلفه الأسرار، وتوغل في أرجائه أصداء مبهمة كأنها أرواح ضائعة تنشد أجسادها بين الرمم، أو كأنها أسئلة ليس لها ردوداً. وعلى يساري تلك الشجرة الأمينة كقلب أبيض، تصلي معي بخشوع وضراعة في محراب الوحدة المقدس، وقد سجدت أغصانها على النهر تقبله، وقد داعبتها نسمة حنون، فراحت تميل بطراوة!.
كل ما حولي عميق لأنه يطوي تأريخ قلبين فرقهما الدهر، فتاها في متاهات الحياة حائرين يبحثان عن مأمن رحيم. . . كل ما حولي حزين كأنه يبكي على مأساتنا، ويندب حضنا العاثر، ويبعث إلى قلبين ضالين سلوه وعزاء، وكل شيء يمر على ذاكرتي واضح المعالم، مؤثراً، مرهقاً، عميقاً، ويتجسم في هذا الفضاء اللانهائي لي شبح الماضي الجميل الكئيب! وتبرز لي ذكريات الأيام الماضية، تلك التي طمرها القلب، وأخرجها الإحساس المتوثب،