[٤ - أحمد رامي]
للأستاذ دريني خشبة
لم نستطع أن نهتدي إلى شيء في قصة حب رامي، هذا الحب الذي لمسنا أثره في الكلمة السابقة، والذي تفجر بعد ذلك ألحاناً صافية، فيها كثير من الدموع، وفيها كثير من الألم، وذلك حينما دخلت في حياة الشاعر مطربة الخلود الآنسة أم كلثوم، فوجدتها حياة تضطرب بتلك الآلام التي تختلط فيها ذكريات اليتم والحب. . . اليتم العابس المتجهم ذي المسئوليات، والحب الخائب المنكوب ذي الصبوات، وجدته يقول:
هل زال من دنياي حسن هزني؟ ... أم قر في قلبي لهيب النار؟
حب تضرّم في حنايا أضلعي ... فأصابه يأس بطول قرار
وبكيته حتى مللت بكاءه ... فسكت منطوياً وحزنيَ وارِ
وهذا كلام سهل لين، لكنه مؤثر، بل مُبكٍ. . . وأي قلب. . . لا يتأثر حينما يسمع رامي في رقته وسمو عاطفته، يهتف بهذا الشعر الجميل السهل اللين، شاكياً باكياً، ذرافاً دموع قلبه، مصعّداً أنات روحه، واقفاً عند الشطر الأخير:
فسكت منطوياً وحزنيَ وارِ!
وقفة العاشق المكروب أمام هذا الحطام المقدس من بقايا حبه!
لقد أرهفت أم كلثوم سمعها حينما سمعت رامياً يئن ذلك الأنين الموجع وسط جنته الذاوية الذابلة، فوجدته يسائل الأطياف التي تهمهم من حوله:
لمن الغناء أقوله فأصوغه ... من أدمعي ودمي، وطيب سراري
ومن الذي يوحي إليّ من الهوى ... قبس الخيال وصدحة الأوتار
ما أطلق الطيرَ الصدوحَ بشدوه ... مثل ابتسام الزهر والنوار
أو نضرَ الزرع البهيجَ زهورَه ... كالشمس والماء النمير الجاري
أو أرقص البحر الخضم عبابه ... كالبدر يشرق باهر الأنوار
وتلفت رامي فجأة على صوت رخيم رضيٍ يقول له:
(أيها الطائر المنفرد المعذب المهيض الجناح، صُغْ غناءك لي أملأ به الكون، وأجعل لك به دماً جديداً وحياة جديدة. . . صُغه لي أوح إليك من أفانين الهوى ألوانها الزاهرة الباهرة،