للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حق تقرير المصير للأهل ليبيا وبرقة]

للأستاذ أحمد رمزي

في أحد شهور عام ١٩١١، روع العالم الإسلامي والعربي، بخبر اعتداء صارخ، قامت به إيطاليا، على القطر الطرابلسي، بغير إعلان حرب وبدون مسوّغ، ولم يكن هناك نزاع أو ما يشبه النزاع، بل هناك أمن وسلام، ولم يعلم الناس بأمر مفاوضة انقطعت أو أمر اختلاف على مبدأ أو رأي أو قاعدة مما تختلف عليه الأمم والشعوب فيتخذ ذريعة للحرب، بل لم يسمعوا بشيء أو بعض الشيء مما يحضر الأذهان لمثل هذا العدوان، وينبه العقول لمقدمه.

وإنما سيرت إيطاليا بوارجها وجحافلها، واستيقظ أهل مدن طرابلس وبنغازي ودرنة الآمنة، على أصوات المدافع وجللها المتفجرة، تقذف عليهم الحمم والموت في عقر دارهم. فيا لله! عندئذ وجمت النفوس - كنا صغاراً لا نعقل من الأمر شيئا، ولكننا لمسنا الألم والأسى، مرتسمين على وجوه الآباء والأهل والعشيرة والجيران، فحزنت قلوبنا لحزنهم وتألمنا لألمهم.

كنا صغاراً نلعب ونلهو - فتركنا اللهو وقاطعنا اللعب، وشعر كل منا، بأن ساعة فاصلة في حياته قد دقت، نعم كان وقع الاعتداء شاملاً، وكان الجرح عميقاً ليس من الجراح التي تبرأ وتلتئم وتنسى مع الزمن.

وسرت بين الناس موجة دافعة، من تلك الموجات التي تملأ النفوس والمشاعر، وتخفق لها القلوب، لرد العدوان وارتجت مصر من أقصاها، فمن كتب عليهم القتال من المجاهدين قاتلوا وقتلوا، ومن لم يقدر على تحمله جاد بالمال عن نفسه وبنيه. وأتى المجاهد أنور ومعه حفنة ممن باعوا أنفسهم في سبيل الله، وصمدت عرب طرابلس وعرب برقة وعلى رأسهم السيد أحمد السنوسي، ليكتبوا بدمائهم ملحمة من ملاحم الملثمين والموحدين في دفاعهم وجهادهم واستماتتهم عن أرض أندلس، فواجهوا الموت وعاينوا الهزيمة، كما لاح لهم الظفر والمجد، وقاتلوا وانتصروا واستشهدوا، وامتلأت أيديهم بالعتاد والسلاح وأسرى العدو.

وانتهت الحرب بقيام حرب أشد هولاً، هي حرب البلقان، فخفتت أصوات المجاهدين،

<<  <  ج:
ص:  >  >>