حياة الإنسان منقسمة إلى أربعة أطوار: الطفولة والشباب، والرجولة والشيخوخة، ولطالما أشتد الجدل وما يزال يشتد بين البشر لمعرفة أي هذه الأطوار يكون الإنسان فيه أسعد حالا وأهدأ بالا وأشد تفاؤلا؟ ويلوح لنا أن الناس يجمعون أو يكادون يجمعون على تفضيل الرجولة على الشيخوخة، والشباب على الرجولة، والطفولة على الجميع، والحق الذي لا مراء فيه أن لكل طور من أطوار الحياة لونا من السعادة يناسبه ويلائمه، ولكل طور نظر إلى الحياة مغاير. . وهب أن ليس هناك ما هو أهنأ من الطفولة المرحة فمن منا يود أن يظل طيلة حياته طفلاً؟ فنحن الذين نغبط الأطفال هناءهم ونذكر في أسى تلك السعادة البريئة الماضية التي تفيأنا ظلالها وأحتسينا راحها ونعمنا بزنبقها وآسها أيام كنا أطفالا نرتع ونلعب، لنرمق في حزن عميق أولئك التعساء الذين تطول بهم الطفولة إلى غير نهاية، وإن سرورهم نفسه ليحرك فينا عاطفة الرحمة والإشفاق. نحن نرثى لهم لأنهم لما يلمسوا ما هم فيه من بؤس وشقاء، فهذه السذاجة التي يطول عمرها، وهذه الغرارة، وهذه الغباوة، وهذا الاستخفاف بآلام الغير ليبدو لنا أعظم الآلام. فليست السعادة منحصرة في قيام لذة او في انعدام ألم، ولكنها في استغلال القوى التي خص بها الإنسان استغلالا مشرفاً معقولاً. .!!
يجهل الطفل الحياة جميعها ولا تكاد تنصب رغائبه إلا على التافه من الأغراض، ومع إننا نعجب بهذا الطور وما حواه من سذاجة ومرح وتدلل فنحن لا نأسف عليه أسفاً حقيقياً، ولا نرضى عن طواعية واختيار أن نستعيده ثانية، ويحب الشباب من الحياة ما يحبه الرجل، ولكنه لا يتبع سبيله، ولا يسلك منهاجه، ومعرفته وآراؤه قريبان من معرفة الرجل وآراؤه، وليس الفرق بينهما عظيماً كما نراه بين الطفولة والشباب، وميزة الشاب عن الرجل أن رغائبه ما تزال في نضارتها وقشوبها، فالمستقبل مفتر له باسط ذراعيه، والأمل لابد ماليء جوانب قلبه، وناشر على أحزانه النادرة طبقة من السرور على أهبة أن تسفر وتتلألأ، وإذ لا عهد له بعقبات الحياة وتكاليفها، فهو أبداً سخي وشجاع، وما لم يكن قد خدع إلا نادراً كان ناصح الدخيلة، سليم الطويلة، يصدق الرواة ويثق بالظروف، ولما كان عمله في المعهد