للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوزير أبن كلّس

واضع الحجر الأول في صرح الجامعة الأزهرية

للأستاذ محمد عبد الله عنان

سألني سائل كيف نشأت صفة الأزهر الجامعية، ومن صاحب الفضل الأول في إسباغها عليه؟ فرأيت أن أنتهز هذه الفرصة لأعرض في هذا الموضوع شيئاً من الشرح والتفصيل ويجب أولا أن ننفي فكرة ذائعة، هي أن الجامع الأزهر أنشئ ليكون جامعة أو معهداً للدرس، فليس ثمة في ظروف إنشائه ما يدل على أنه أنشئ لمثل هذه الغاية، وإنما أنشئ الجامع الأزهر ليكون مسجداً رسمياً للدولة الفاطمية في حاضرتها الجديدة، ومنبراً لدعوتها، ورمز لسيادتها الروحية. أما فكرة الدراسة بالأزهر فقد كانت حدثاً عارضاً ترتب على فكرة الدعوة المذهبية الجديدة؛ ففي صفر سنة ٣٦٥ هـ، في أواخر عهد المعز لدين الله منشئ الأزهر، ولنحو أربعة أعوام من إنشائه، جلس كبير القضاة علي بن النعمان القيرواني بالجامع الأزهر وقرأ مختصر أبيه في فقه الشيعة في جمع حافل من العلماء والكبراء، فكانت هذه أول حلقة للدرس عقدت بالجامع الأزهر؛ ثم توالت حلقات بني النعمان بالأزهر بعد ذلك، وكان بنو النعمان من أكابر علماء المغرب الذين اصطفتهم الخلافة الفاطمية وجعلتهم دعاتها وألسنتها الروحية، فلحقوا بها إلى مصر، واستأثروا في ظلها برياسة القضاء زهاء نصف قرن؛ وكانت الخلافة الفاطمية تعتمد في توطيد سلطانها بمصر على عصبيتها المغربية، ثم على صحبها وخاصتها من الموالى الأجانب وجلهم من الصقالبة؛ وكانت حلقات أولئك العلماء المغاربة بالأزهر حلقات دعاية روحية وسياسية، تعقد في الغالب للأكابر والخاصة، ولم تكن لها في البداية صفة الدرس العام.

كانت هذه بداية جامعية في معنى من المعاني، بيد أنها لم تكن عامة ولا مستقرة؛ ولكن حدث في عهد العزيز بالله حدث جامعي آخر؛ ففي رمضان سنة ٣٦٩ هـ جلس يعقوب بن كلِّس وزير المعز لدين الله، ثم وزير ولده العزيز من بعده بالجامع الأزهر، وقرأ على الناس كتاباً ألفه في الفقه الشيعي؛ وكان ابن كلس كما سنرى شخصية ممتازة، تجمع بين السياسة والعلم، وكان نصيراً كبيرا للعلماء والأدباء؛ وكان يعقد مجالسه الفقهية والأدبية تارة بالأزهر وتارة بداره فيهرع إليها العلماء والطلاب من كل صوب، وكانت في الواقع

<<  <  ج:
ص:  >  >>