للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في بلاط الخلفاء]

حماد وهشام بن عبد الملك

للأستاذ علي الجندي

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

كان هشام بن عبد الملك من الخلفاء الذين يُؤثرون أن يتمتعوا بالطيبات من الرزق، ويظهروا نعمة الله عليهم، ويوفّروا الأبهة والجلال لمقام الخلافة! فلم يكن في آل مروان من كان أسرَى منه ثوباً، ولا أعطر رائحة، ولا أكثر زينة، حتى إنه حين خرج حاجا حُمِلت ثيابه على ستمائة جمل!

فماذا رأى حماد حين دخل إليه؟

رأى داراً قوراء مفروشة بالرخام، تضم مجلساً فرش كذلك بالرخام بين كل رخامتين قضيب من ذهب!

وفي بُهْرة المجلس فوق طِنْفِسة حمراء جلس هشام عليه ثياب من الحزّ الأحمر، وقد تضمّخ بالمسلك الأحمّ والعنبر الأشهب! وبين يديه آنية من ذهب فيها مسك مفتوت يقلبه بين يديه فتعِجّ رائحته في المكان فتفَغم الأنوف!

فاستطير عقل حماد، واعتاقت الهيبةُ جنانه، فثقُلت خُطاه ورَبا لسانه في فمه! ولكنه استنجد بكل قواه، وسلّم على هشام بالخلافة، فرد عليه السلام واستدناه منه، فدنا حتى قبل رِجْله!

ثم نظر بِمُؤْخِر عينه فإذا جاريتان كأنما التمستا غِرّة من رضوان، فهبطتا من فراديس الجنان! في أذنيْ كل منهما حَلْقتان تُطِلّ منهما لؤلؤتان لامعتان يَرِفّ سناهما على تلك الوَجَنات البضّة رفيفَ سقيط الطلّ على أكمام الورود!

فأخذ حماد يُسارقهما النظر وهو مشتَرك اللب موزَّع الفؤاد! ولكن الخليفة لم يلبث أن هتف به: كيف أنت يا حماد وكيف حالك؟

فاسترجع عازب عقله، وأجاب ومتلعثماً: إني بخير يا أمير المؤمنين

- أتدري لم بعثت إليك؟

- لا يعلم الغيب إلا الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>