يزعم بعض الناس أن الموسيقى محرّمة، لأنها تلهي الإنسان عن ربه، وتشغله عن دينه وعبادته، وتدفعه دفعاً لارتكاب ما نهى الله عنه. فإذا سألتهم آية أو حديثاً قالوا:
هذا شيء معروف منقول سمعناه من آبائنا وأجدادنا والسلف الصالح. . .!
هذا زعم لم ينشأ أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أيام الخلفاء الراشدين، وإنما نشأ أيام الدولة الأموية حينما سما مركز المغنين والقيان سمواً عظيماً حتى حجب مراكز العلماء والفقهاء الذين حقدوا على الموسيقى والموسيقيين حقداً كبيراً، واستسلموا لخوالجهم (وهم بشر!) فراحوا يذيعون بين الناس أن الموسيقى حرام، وأن الخلفاء قد نسوا دينهم وربهم، واتبعوا خطوات الشيطان. . .!
ومن هنا نشأت هذه الشائعات وتطورت حتى غدت على ممر الأيام والأعوام قريبة من الاعتقاد والإيمان. . .
ولإنصاف بعض رجال الدين في هذا الوقت نقول: إنهم أبوا أن يتخذ بعض إخوانهم - في العلم - الدين سلاحاً للتشفي والانتقام من فن رفيع سام يخفف عن الناس آلامهم وشقاءهم فأصدروا الكتب الكثيرة في الرد على مبتدعي التحريم. ولعل أشهر هذه الرسائل وأقواها وأدعمها حجة تلك الرسالة (الخطية) الوحيدة الموجودة الآن (ببرلين). . . (الاستمتاع في الرد على من يحرم السماع. . .!)
قبل أن أذكر شيئاً عن الموسيقى في صدر الإسلام وفي أيام النبي (ص) أحب أن أذكر شيئاً عن حياة العربي وطبيعة بلاده، وتأثير مناخه في نفسه ليرى القارئ معي أن العربي موسيقى بطبعه وفطرته
البيئية العربية خالية مما يسر العين ويرضي القلب، فالصحراء شاسعة مترامية موحشة مقفرة لا حياة فيها، ولا أنس يُحييها. والسماء بنجومها وقمرها. . . هي السماء بنجومها وقمرها (دائماً) لا تتغير ولا تتبدل. .!
فأي شيء يسد هذا الفراغ. . . ويشغل نفس العربي ويملأ حسه غير (الغناء) الذي يساعد عليه رقة الشعر وسلامة قوافيه واختلاف بحوره؟ أي شيء يساعد الإبل والحداة على السير