ذلك معناه الحرفي كما نراه رأى العين. فالضحك في صورته الجسدية حركة متتابعة في الصدر والحلق والفم يكثر بها تجدد الهواء في الجسم المكظوم، فيشعر على أثر هذه الحركة بطلاقة بعد حبس، وفرج بعد ضيق
وخليق بهذه الحقيقة المحسوسة أن تقودنا إلى عرفان معنى الضحك من الوجهة النفسية، أو من الوجهة الفكرية
فهو أيضاً تنفيس عن النفس المكظومة، أو الفكر المكظوم، وهو تعويض للحرية الضائعة، والطلاقة المحدودة
ولهذا تكثر الحاجة إليه في أيام الاستبداد
ولهذا تشتهر الأمم التي طالت فيها عهود الاستبداد بكثرة التنكيت، وشيوع النوادر المضحكة بين أبنائها
وربما كان هذا مرجع الشهرة التي اشتهر بها المصريون في طوال العصور الغابرة، حين كانوا يُبتلون بالدولة الطاغية بعد الدولة الطاغية، تنالهم بالعسف والجور، وينالونها بالنكات والنوادر، فإذا هم يلوذون من الضحك بدرع تعينهم على الصبر وسلاح يعينهم على الانتقام.
وللاستبداد موقفان متناقضان من الضحك والضاحكين
فالمستبد المسيطر على الناس بالجبروت والطغيان يريد أن يهولهم وينزل منهم منزلة القداسة والتنزيه، فلا يحب أن يصبح بينهم عرضة للضحك، ولا أن يجترئوا عليه بالعبث والاستهزاء، ولو من وراء ظهره
ولكنه بعلم أنه يضيق عليهم الخناق، وأنه يلجئهم إلى التنفيس عن صدرهم بوسيلة من الوسائل، ولو على حسابه كما يقولون إن لم تكن ثمة وسيلة أخرى. ولهذا قيل إن الزعماء النازيين - وفي مقدمتهم هتلر - يقربون إليهم فئة من المضحكين والمتندرين يسمعون منهم نكات الجماهير وفكاهات العامة والخاصة، ويجتهدون مع هذا في تحويل النكات والفكاهات