للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اتقوا غضبة الشعب!]

للأستاذ محمود محمد شاكر

أجلت قضية مصر والسودان في مجلس المن إلى يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر سنة ١٩٤٧، بعد أن تمتعت بريطانيا بالخذلان الذي كان مثله ابعد شئ عن بالها منذ عشر سنوات، وحسب. فقد تعودت بريطانيا أن تأمر أو تدس فيطاع أمرها أو دسها، وتخرج ظافرة من كل معركة تدور بينها وبين أمة من الأمم التي ابتليت بشرها الذي لم تنطفئ له جمرة منذ نجمت قرون هذه الدولة في تاريخ العالم الحديث. ونحن نسأل الله أن يتم الخيبة على هذه الدولة الطاغية بانهيار نظامها الاقتصادي، ليخلص العالم من الأخطبوط الفاجر الذي ضم في أحشائه وبين جوارحه دولا برمتها من الهند إلى العراق إلى مصر والسودان إلى جنوب أفريقيا - إلى عالم كان يتمدح شعراؤها بأن الشمس لا تغيب عن ملكه، وإنها هي التي حملت أمانة الجنس الأبيض و (عبء الرجل الأبيض) في تحضير الأجناس الملونة، أي استعبادها وظلمها، وإغراء فرنسا وبلجيكا وهولندة وسواها من أقزام الدول باستعباد جزء من هذه الشعوب، تسومها الخسف بكل نذالة تدخل في طوق هذه الأمم.

أن مجلس الأمن هو اليوم بين الاثنين: أما أن يشهد العالم كله على انه أقيم على حق، وانه حافظ وازع ينهي الطغاة عن الإيغال في طغيانهم وأما أن يشهد العالم كله على انه سوق حديثة للرقيق والنخاسة أقيمت لتتاجر بعباد الله بلا حياء ولا ورع. فكان تأجيل فضية مصر في هذه المرة، بعد المناقشات التي دارت فيه دليلا على أن مصر والسودان قد استطاعت شيئا ما أن توقظ طرفا من ضمير هذا المجلس، ومن ضمير الأمم التي اشتركت فيه، والفظائع التي ارتكبتها في مصر والسودان، والتي تصر على المضي في ارتكابها بكل جرأة لا تستحي.

ونحن نحب أن نثني ثناء خالصا من قولبنا على الرجل المصري السوداني، الذي لم يزعزعه تهديد بريطانيا وترويعها، ولم ينل من قبله الخوف، ولم نثنه عن الهدف الأعظم حيل ولا إشراك ولا جدال ولا تغرير، فأنطلق يبين عن أهداف مصر والسودان وعن حقوقها وعن البلاء الذي نزل بها بيانا شفى صدور المصريين والسودانيين جميعا. أنني لم أعجب بهذا الرجل لأنه سياسي بارع، ولا لأنه قانوني ضليع، ولا لأنه خطيب مفوه، ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>