كان المرحوم إسماعيل أدهم شخصية في الأدب النقدي الحديث، تستحق الدراسة من نواح متعددة. وإذا كان عرف عنه دائماً زيغ في العقيدة، أو تعصب للترك على العرب والإسلام فقد عرف عنه بجانب ذلك كثير من دقة البحث واستقصاء الدرس واستكمال عدة النقد اللازمة للناقد الحديث. وامتازت كتاباته ومباحثه الواسعة المنتشرة هنا وهناك بطريقة جرى عليها علماء المشرقيات في مباحثهم. وهي طريقة غير هينة ولا معبدة لأنها تستلزم صبراً كثيراً وقراءة كثيرة وربطاً محكماً لكل ما يقرأ وإدراكاً واسعاً يستطيع به صاحبه الحكم في صحة، غير جانح إلى خطأ، أو مائل إلى انحراف عن الجادة.
ولقد أثار موت أدهم - بالطريقة التي اختارها - أموراً كثيرة، تعرض فيها كثير من الناس لأمور ما كان يليق التعرض لها، لأنها تمس شخصه هو، وتلمس جزءاً خصوصياً من حياته. وكان الأولى بهم لو وقفوا أمام أدبه وتراثه الفكري فاستعرضوه وبحثوه وأشبعوه درساً وتناولوه تناول الناقد - في رفق أو في غير رفق - لأنه تراث لم يعد من ملك إسماعيل أدهم، بل عاد من ملك الزمن ومن حق التاريخ.
ولا نعرض هنا لما قيل في أدهم وما قيل عنه، فليس ذلك وارداً على بحثنا اليوم ولا داخلاً فيه. ولا شك أن المغامز التي أثيرت حوله ستمضي، وسيبقى الكلام في عقيدته مسألة حسابها بينه وبين ربه.
والكلام عن أدهم في أي ناحية من نواحيه قد يكون شائكاً، وقد يكون دقيقاً، وقد يكون فيه غير قليل من الحرج، فليس من أسهل المواقف - في بيئة شرقية محافظة - أن يطيب الكلام عن أدهم المعروف بنزعاته الحرة غير المبالية بتقليد أو سنة.
وليس من أهون المواقف أن يكتب عربي عن شاب تركي الأب ألماني الأم أو صقلبيها كان يرى ويؤمن باحتقار للترك للعرب.